يومئذ مائة وخمس سنين. وفي هذه السنة أو التي بعدها ترك المناصب ولزم بيته وهو ممتع بصحته وعقله ولم تقلع له سن ولا حني ظهره ، وصار الوزراء والكبراء وذوو الوجاهة يزورونه في منزله ويستمدون من آرائه. بقي على ذلك إلى أواخر سنة ١٣٠٨ ، ففيها توفي إلى رحمة الله تعالى ودفن في تربة الشيخ جاكير وقد بلغ من العمر مائة وعشر سنين ، وربما لا يمر عليك في تاريخنا من بلغ هذه السن.
وكان رحمهالله شجاعا مقداما وقورا مهابا سخيا محبا لأهل العلم مكرما لهم متواضعا حسن المعاشرة لطيف المذاكرة ، من ذلك ما حدثني به الأستاذ الكبير شيخنا الشيخ محمد أفندي الزرقا رحمهالله قال : اجتمعت يوما مع محمد آغا المكانسي في بيت في محلة باب النيرب في خطبة في زواج اجتمع فيه خلق كثير ومعهم المنشدون ، وقد كان ذلك عادة متبعة في ذلك الحين ، فجر الحديث إلى ذكر الموت ، فقال لي محمد آغا : الموت على ثلاثة أقسام : موت أبيض ، وموت أحمر ، وموت أسود ، أما الموت الأبيض فهو الموت الاعتيادي ، وأما الموت الأحمر فهو الفقر ، وأما الموت الأسود فإنسان يرافقك ولا يوافقك ولا يفارقك.
وكان المترجم طويل القامة أسمر اللون واسع العينين أشهلهما واسع الجبين أقنى الأنف ، تدلك رؤيته على شهامة وشجاعة وعلو جناب. وحدثت عنه غير مرة أنه كان قوي الحافظة يحفظ ما جرى معه وفي زمنه وقبل ذلك من الحوادث ، ولو كان في عصره من يكتب ما يحدّث به لجمع من ذلك تاريخ حافل مفعم بالحوادث المهمة التي حصلت في القرن الماضي.
وأخبرني ولده طاهر آغا الذي توفي سنة ١٣٤٠ وكتب لي به أيضا أن أصل عائلتهم من الغرب من بلدة مكناس ، قدم جدهم الأعلى أحمد سويدان المكناسي مع أخيه إلى حلب سنة ٨٨٥ في أيام دولة الجراكسة ، وكانت شهرتهم ببيت المكناسي ، وبتقادم الأيام حرفت إلى بيت المكانسي ، وهاجر مع جدهم المذكور اثنان من أخوته ، الواحد توجه إلى بصرى الحرير من بلاد الشام فنزلها واستوطنها وله بها ذرية إلى يومنا هذا تعرف ببيت الحريري ، والثاني نزل في حسّة البلدة التابعة لقضاء حمص وتوطنها وله بها ذرية تعرف ببيت سويدان ، منها الآن عبدو آغا سويدان من كبراء تلك البلدة وزعمائها. وأخبرني أن عائلتهم تنتسب