وقد نظم المعلم بطرس كرامة تاريخا لضريح عبد الله الدلال بقوله :
لحد ثواه ابن دلّال التقى فغدا |
|
برحمة الملك القدوس مغمورا |
قضى الحياة على نهج الصلاح وقد |
|
لاقى المنية مبرورا ومشكورا |
ناداه رب غفور إذ تؤرخه |
|
نل جنة الخلد عبد الله مسرورا |
١٨٤٧
ولما أكمل درس مبادىء اللغة العربية أرسلته أخته إلى مدرسة عين طورا بلبنان ، فلم يلبث فيها إلا ستة شهور ، ثم عاد إلى حلب وكأنه قد درس الفرنسية والإيطالية سنين طوالا ، وذلك لما أوتيه من توقد الذهن وملكة الحفظ ، فأقام فيها يطالع العلوم بنفسه ويدرس أصول اللسان التركي.
ومال إلى اقتناء الكتب فلم يقع كتاب نفيس في يده إلا اشتراه فأصاب حظا وافرا من علوم العرب. وكان يحفظ جل ما كان يقرؤه ، فكان يتذكر في الخمسين من عمره ما كان قرأه مرة واحدة قبل ذلك بثلاثين سنة. وكان يحفظ ديوان المتنبي وأكثر شعر الصفيّ ومقامات الحريري وكثيرا من مقدمة ابن خلدون والمعلقات السبع وطائفة من أشعار العرب وقسما كبيرا من القرآن.
وكانت له مشاركة في أكثر العلوم. ودرس فن الرسم فأصاب شيئا منه. وكان شديد الولوع بالغناء ، عارفا بفن الموسيقى ، متمكنا من علمي الجغرافيا والتاريخ.
وله رسالة في التاريخ العام غير كاملة.
وكان يحرز حصة حسنة من العلوم الرياضية والفلسفة والطب ، وكان يتبع العلوم والفنون العصرية والاكتشافات والاختراعات ، فكان صدره أشبه بخزانة علوم وفنون ، فلا يسأل عن علم أو اختراع أو مسألة فلكية أو سياسية إلا ويجيب أحسن جواب ، بل كثيرا ما كان يأخذ في الشرح والتعليل كأنه من أئمة ذلك الفن فيجيد غاية الإجادة.
وكان طيب الحديث لسنا فصيحا وشاعرا متفننا من الطراز الأول (في هذا مبالغة) سريع التصور لطيف الشمائل خفيف الروح صحيح الانتقاد يميل إلى المزاح أحيانا.
وكان الغالب على طباعه سلامة السريرة وكثرة الوفاء وحرية الفكر.