ولما كان في نحو العشرين من عمره مات له عم في القسطنطينية بلا عقب وترك ثروة كبيرة ، فسافر إليها ليستولي على حصته من التركة المذكورة ، ثم عاد إلى وطنه بعد خمسة شهور ، وعلى إثر رجوعه بمدة قصيرة تزوج فتاة من أجمل بنات الشهباء بل بنات الشرق ، جامعة بين الذكاء والصيانة. وفي سنة ١٨٦٨ عاد إلى القسطنطينية فلبث فيها إلى السنة التالية ، وفي تلك الأثناء نظم من القصائد والمقطعات شيئا كثيرا ، كقوله من قصيدة يمدح بها جودت باشا :
العلم بعض صفاته والفضل بع |
|
ض خلاله والعلم بعض خصاله |
والجود من أسمائه والسعد من |
|
قرنائه واليمن من إقباله |
ثم استصحب قرينته معه إلى أوربا وزار أكثر مدنها الشهيرة. وبعد مدة قصد صاحب الترجمة بلاد البورتوغال لقضاء حاجة كانت في نفس أحد أصحابه من الأشراف كان توسل إليه في التماسها من ملك تلك الدولة ، فلما تشرف بمقابلة الملك أجاب الملك سؤله وبلغه مأموله وربح جبرائيل من ذلك مالا جزيلا.
ومر في طريقه بإسبانيا وأحب أن يتفقد آثار العرب في الأندلس وما كان لهم هناك من ضخامة الملك واتساع الحضارة ، ثم عاد إلى مرسيليا حيث أصيبت قرينته بمرض عضال فماتت مأسوفا على شبابها ، فرثاها رثاء مؤثرا بقوله :
لي حالة يكتمها تجلدي |
|
إظهارها يصدع قلب الجلمد |
قد شرّد الغم جناني بالأسى |
|
وقيّد الهم لساني ويدي |
فباطن تبكي له أحبتي |
|
وظاهر تضحك منه حسّدي |
وما جرى نفي الكرى وفي الورى |
|
بعد الذرى عدت أرى في الوبد (١) |
في محنتي وفكرتي ولوعتي |
|
تجلدي تسهدي تنهدي |
وهمتي تأبى الخمول فترى ال |
|
جدّ مقيمي والقضاء مقعدي |
على شبابي والبلاء والفنا |
|
واحسرتي واحزني واكمدي |
ولما لم يطق الإقامة في المدينة المذكورة بعد هذا المصاب سار إلى باريس ، ومنها إلى بلاد الجزائر في المغرب الأوسط ، ومنها إلى بلجيكا. ثم رجع فألقى عصا التسيار في باريس ،
__________________
(١) الوبد : الفقر والبؤس وسوء الحال.