خليفته في هذا الفن بلا مدافع ، وإليه انتهت الرئاسة فيه بلا منازع.
وإنا نذكر لك نبذة من طريقة الوراق في الإنشاد ، وبها تعلم أن الإنسان لا يبلغ هذه المنزلة مع الذكاء المفرط إلا بعد عناء كثير وتمرين طويل ، وبذلك تقف على مقدار رقيّ هذا الفن في الشهباء في القرن الماضي والعصور التي قبله ، وتخيل في نفسك مقدار ما كان يدخل على النفوس من الطرب حين كان الإنشاد على هذه الصورة ، وتعلم انحطاط هذا الفن في هذا العصر وأنه أصبح خلاعة ومجونا قد خرج فيه أربابه عن حدود الحشمة والآداب ، وخصوصا بعد ما فشا السماع في الديار المصرية والسورية والعراقية والتركية من العاهرات الفاجرات ، فصار المقصود من السماع الخلاعة والفجور لا المهارة الفنية ولا الصناعة الأدبية.
وكان الوراق رحمهالله لا ينتقل من إنشاد إلى شغل أو من شغل إلى إنشاد أو من شغل إلى شغل إلا لمناسبة ، إما للوزن والقافية أو للمعنى لما يصح أن يجعل الثاني مقولا للقول الأول أو غير ذلك مع الأساليب الموافقة للصناعة من الأصول والطبقة والنغم وتصوير النغم ، فبينما كان ينشد مثلا :
رعا الله أرعانا ودادا لخله |
|
وبلّ من الأشواق أشجان أشجانا |
ولا بلغ المأمول منا أملّنا |
|
ولا اكتحلت بالسهد أجفان أجفانا |
وإذا به قد انتقل إلى شغل :
يا سيد كل الغيد |
|
ما ضر لو وافانا |
يا من لقاه عيدي |
|
وصاله أحيانا |
وبينما تراه ينشد مثلا :
قبل صحبي إلى المدامة صح بي |
|
وإلى كل سرب يا صاح سربي |
بأبي ظبية من السرب لاحت |
|
طال عتبي لها وما طلّعت بي |
ثم قالت يا مولعا بهوانا |
|
ما تقل بي فقلت قد مات قلبي |
وإذا به قد انتقل إلى شغل على هذا الروي فيقول :
حادي الركب لنحو حبي سربي |
|
وعج بي نحو الشعب |