أنه كان يدق النقرظان (وهو المسمى في عرفنا بالنقاريات) في التكية المولوية في حلب ، وكان يضع النقرظان خلف ظهره ويدق وحوله النايات وغيرها من الآلات ، وأنه كان إذا دخل لجمع ليلا يجلس على كرسي ويحدث من ألف ليلة وليلة عن ظهر قلب ما يناسب الجمع ، إن كانوا علماء فمما يناسبهم وإن كانوا من الوجهاء أو الشبان فكذلك. فدقه على الآلة على هذه الصورة مع عدم الخلل في ذلك يدل على مهارة تامة في علم الموسيقا ودربة بالغة منتهاها ، وتحديثه على الشكل المتقدم يدل على قوة حافظته وحسن استحضاراته.
وحدثني من أثق به أنه كان يقال : لو رمي الحاج مصطفى البشنك من فوق منارة الجامع الكبير إلى صحنه لما حصل له شيء من الضرر ، لأنه لا يهوي إلا على الأصول ، فلا يصل إلى الصحن إلا على رجليه فلا يناله لذلك أدنى ضرر.
وحدثني أيضا أنه كان في بعض الليالي في فرح ومعه مسيحي ماهر في دق النقرظان ، وكان شيخا مسنا ناهز الثمانين وعلى رأسه عمامة سوداء كبيرة ، فبينما كان يدق في النقرظان إذ به قد أخطأ في دقة ذهب منه (تك) فنظر إليه البشنك نظرة مغضب وأخذته الحدة لغلطته وعدها شيئا نكرا ، ولم يسعه إلا أن ضربه بالدف الذي كان بيده على عمامته الكبيرة وقال له : ويحك لقد أذهبت (تكا) لا يقام له ثمن. وتناول النقرظان ووضع عوديه بين إبهامي رجليه وصار يدق بهما دقا محكما لا يختل فيه مثقال ذرة ، وبيده الدف يضرب عليه ، فتعجب الحاضرون من عظيم مهارته.
وكانت وفاته سنة ١٢٧٢ ، ودفن في تربة السفيري بجانب الشيخ قاسم الخاني في قبليه.
ومكتوب تحت اسمه :
قد كان صاحب هذا القبر جوهرة |
|
نفيسة صاغها الرحمن من صدف |
إلخ البيتين المشهورين ، وفي ذلك تنويه بعظم شأنه وتقدير أهل عصره له. ولم يخلفه في حذقه في هذه الصناعة والضرب على الآلات أحد مثله في هذه الديار ، حتى إنه يضرب به المثل إلى الآن فيقال لكل من تقدم أمام قوم أو برز في أمر : هو البشنك.
على هذا الأستاذ تلقى الورّاق دروسه الموسيقية وبه تخرج في الأنغام والألحان ، فكان