البصرة ، ولهذا السبب ولأسباب أخرى نوى العدول عن التجارة بتة وشرع في حل الشركة وتصفية أعمالها.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بين الفرنسيس والألمان ١٨٧٠ انتقل إلى باريس فأقام بها يتعاطى التجارة وخدمة المعارف. ولما أنشأ رزق الله حسّون سنة ١٨٧٦ جريدة (مرآة الأحوال) في لندن تولى عبد الله مرّاش تحريرها ، ثم عاد إلى منشستر فلبث بها إلى سنة ١٨٨٠ كاتبا لأشغال فتح الله طرّازي وأعماله التجارية ، وبعد ذلك فارقها فأتى باريس مرة ثانية حيث حرر في جريدة (مصر القاهرة) لأديب إسحق وجريدة (الحقوق) لميخائيل عورا وصحيفة (كوكب المشرق) لأحد رجال الفرنسيس. ثم زايلها وسافر إلى مرسيليا وألقى بها عصاه ولم يزل مقيما فيها إلى أن توفاه الله في ١٧ كانون الثاني سنة ١٩٠٠.
هذا مجمل ما يذكر من تاريخ هذا الرجل وما تقلب فيه من أطوار الحياة ، وقد عبرت أيامه كلها على السكينة والدعة ، لأنه كان قليل المزاحمة والتطاول إلى بعيد الشؤون والتفاني في معالجة الحظوظ وابتغاء الشهرة والمقامات العلية بالإكثار من الجلبة والحراك.
على أنه كان على حظ من الدنيا بلغ به مبلغ الرضى وهو الغنى كله ، فلم يكن بعد ذلك يحرص على حشد الدينار ولا يعاني الكسب. ولكنه انصرف إلى المطالعة والتوسع في العلم وهو ما لم ينقطع عنه قط مع اشتغاله بالتجارة أيضا. فإنه كان كثير الاختلاف إلى مكاتب لندن وباريز يتصفح ما فيها من الأسفار قديمها وحديثها ولا سيما الخطية منها ، فأدرك حظا وافرا من لغة العرب وتواريخهم وآدابهم ، وانتسخ منها عدة كتب عزيزة نذكر منها كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي ، وهو مصنف ضخم يكون نحوا من ألف وخمسمئة صحيفة كبيرة انتسخه من مكتبة باريز ثم عارضه بنسخة لندن ، وأشار إلى مواضع الفرق بين النسختين ، ونبه على ما وجده مباينا للصحة من غلط النساخ مما استدركه بنفسه ، وبعد ذلك عارضه بالنسخة المطبوعة في دمشق ، وبعد أن جمع بينها وبين نسخته وقد تتبعها صحيفة صحيفة وسطرا سطرا علق على هوامشها كل ما وجده من الفروق والزيادات وغيرها ، فكانت كل واحدة من هاتين النسختين أصح نسخ هذا الكتاب.