وهناك كتب ورسائل أخر كلها غرر آثار الأقدمين ونوادر تآليفهم انتسخها بخطه مع العناية والتدقيق في مقابلتها وتصحيحها.
وكان مليح الخط نقيّ الرقعة ، كثير التأنق كأكثر خطاطي حلب. وكان يكتب أولا بقلم من القصب الهندي وهو شديد الصلابة لا يكاد يتشعث ولا يتغير ، ثم صار يكتب بأقلام الحديد ولذلك ترى خطه من أول الكتاب إلى آخره واحدا.
وكان عبد الله من أكابر أهل الإنشاء ، حسن الترسل ، سهل العبارة ، واضح الأسلوب ، بصيرا باختيار الألفاظ والتراكيب ، حسن النقد ، حريصا على البلاغة ووضوح المعاني ، آخذا بالنصيب الأوفر من قوالب فصحاء العرب وألفاظ الخاصة من أهل الأدب. وكان مع ذلك متقنا اللغة الإنكليزية والفرنسوية والطليانية يكتب فيهن جميعا.
وكان له باع طويل في التاريخ والفلسفة وعلم الأخلاق والأديان والشرائع المختلفة ، مشاركا في علوم المعاصرين كالطبيعيات والهيئة وسائر الفنون الرياضية. وكان بصيرا بالسياسة مطلعا على أسرارها ودقائقها ، وله في كل ذلك مقالات ورسائل شتى ، منها ما هو باق بخطه ومنها ما نشر في بعض الجرائد العربية في لندن وباريس وجرائد ومجلات القطر المصري.
وأشهر ما طبع له منها مقالة في التربية التي نشرها تباعا في مجلة (البيان) اليازجية فلا حاجة إلى الإطناب في وصفها.
وأما النظم فإنه مع تضلعه من فنون البلاغة وكثرة ما كان يحفظ من أشعار العرب والمولدين ومع اشتهار بيتهم في الشعر كان قليل الرغبة فيه والمعاناة له ، ولا سيما مع ما بلغ إليه الشعر في هذا العصر من الانحطاط والتفاهة ومع قلة المميزين بين جيده ورديئه.
وأما صفاته الشخصية فقد كان ربعة القوام ، معتدل الجسم ، أبيض اللون ، طلق المحيا ، فصيح اللسان ، مهذب المنطق ، واسع الروية ، لطيف المحاضرة. وكان رجلا جليل القدر كامل الصفات ، قد جمع بين رزانة الإنكليز ورقة الفرنسيس وأريحية العرب. وكان على أعظم جانب من الزهد وخفض الجناح ، بعيدا عن الزهو والخيلاء ، منزها عن الدعوى والكبر ، حتى إنه مع سعة فضله ورسوخ قدمه في العلم والإنشاء وإجماع المطلعين على