وكان في نفسه رحلة أخرى يتمم بها اختباره للمسلمين وهي الرحلة إلى بلاد العرب ، ولكن حالت دونه المنية التي تحول دون كل الأماني والعزائم.
أرأيت رجلا كريم الأصل ، كبير العقل ، تربى أحسن تربية ، وتعلم أحسن تعليم ، ودخل في الأعمال المختلفة ، وتصدى للمشروعات المتعددة ، وكتب في أدق المسائل أحسن الكتابة ، وساح في البلاد واختبر أحوال الأمم ، حتى بلغ أشده واستوى ، كيف يكون حاله وما هي درجة استعداده. هذا هو صديقنا الذي فقدناه بالأمس ، فكأنما فقدنا به الشمس. ومثل تلك الآمال الكبيرة لا تبلغ إلا بمساعدة الحكومة أو سعة المال أو الجمعيات ، وقد كان له أمل في مصر وأميرها أراه الاختبار خلافه.
ولقد كان لموته تأثير كبير في نفوس الفضلاء والعقلاء ، وقد نعي إلى الجناب الخديوي في صبيحة الليلة التي مات فيها ، فأمر بأن يجهز على نفقة سموه وأن يعجل بدفنه ، فكان ذلك. فرحم الله فقيدنا وأحسن عزاء الإسلام والشرق فيه. ا ه. (مجلة المنار).
وترجمته أيضا على إثر وفاته جريدة اللواء والمؤيد والقاهرة والرقيب والأهرام ومجلتا المقتطف والهلال ، وكلها تضرب على وتر واحد من بيان فضله وسعة مداركه وعلو همته وآماله ، وذكرت أنه دفن في قرافة باب الوزير.
ونقش على قبره بيتان من نظم شاعر النيل محمد حافظ إبراهيم نقلتهما من ديوانه المطبوع وهما :
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى |
|
هنا خير مظلوم هنا خير كاتب |
قفوا واقرؤوا أمّ الكتاب وسلموا |
|
عليه فهذا القبر قبر الكواكبي |
ورثاه الأديب الفاضل الشيخ مصطفى صادق الرافعي بقوله :
أحقا رأيت الموت دامي المخالب |
|
وفي كل ناد عصبة حول نادب |
وتحت ضلوع القوم جمرا مؤججا |
|
تسعر ما بين الحشا والترائب |
وفي كل جفن عبرة حين أرسلت |
|
رأوا كيف تهمي مثقلات السحائب |
أبى الموت إلا وثبة تصدع الدجى |
|
وكم ليلة قد باتها غير واثب |
فما انفلق الإصباح حتى رأيته |
|
وقد نشبت أظفاره بالكواكب [ي] |