فباشرها مع بعد داره عن الجامع المذكور.
يقول محرر هذه الترجمة : ثم بعد مدة نقلوه إلى دار عظيمة قريبة من الجامع المذكور رغبة فيه مشهورة بدار الجربوعي ، وبها تزوج المرحوم الوالد ولم يقم بها مدة طويلة لعدم طيب هواها.
قال المؤرخ : وطلب منه العلامة محمود أفندي الأنطاكي المدرس أن يقرأ القرآن العظيم في صلاة الصبح على التأليف الشريف يسمع العوام الذين لا يقرؤون القرآن جميع القرآن العظيم في صلاة الصبح وأن تكون كل ختمة لراو من رواة الأئمة السبعة ، وقال : كذا سمعت الأئمة في الحرمين الشريفين يقرؤون في الصلوات وفيه نفع وفائدة ، وفيه أثر مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه أنه أتي برجل سرق نصابا ، فسأله فأقر بالسرقة ، فأمر بقطع يده ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، لم تقطع يدي؟ فقال : كذلك أمر الله تعالى بقوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) فقال : يا أمير المؤمنين ، ما سمعت هذه الآية قط ، ولو سمعتها لم أسرق ، فقال له : هذا العذر لا يسقط عنك حدا من حدود الله تعالى ، فقطعه ، لكن حصل له على الرجل أسف وحزن شديد ، فكتب إلى أمراء الآفاق أن يقرؤوا القرآن العظيم في الصلوات الجهرية على التأليف الشريف ليسمع المقتدون جميع أحكام الله وحدوده. فشرع صاحب الترجمة يقرأ في صلاة الصبح كما طلب المدرس المذكور ، فكان يقرأ في كل سنة ختمتين ونصف ختمة أو أقل من ذلك ، فصار يهرع إليه الناس في صلاة الصبح من محلات بعيدة من الجامع لحسن صوته وجودة قراءته وطيب ألحانه مع مراعاة الأحكام ومخارج الحروف ، وأتقن كثير من المصلين قراءتهم من السماع وصار لذلك نفع عظيم ، واقتدى بذلك جماعة من أئمة الجوامع فصاروا يقرؤون القرآن العظيم في صلاة الصبح على التأليف الشريف أحسن الله له الثواب في المآب.
ثم إنه بعد صلاة الصبح يجلس في حجرته في الجامع المذكور ويقرىء القرآن لمن يريد القراءة ولا يرد أحدا ، سواء كان من أهل البلدة أم من الغرباء ، ويحصل له من المشقة العظيمة في تعليم الأتراك وتعديل ألسنتهم في مخارج الحروف والنطق بها ، ويزدحمون على الأخذ عنه لأنه يقرر لهم باللغة التركية فيفهمونه ، فلذلك كثر الآخذ عنه من الأتراك وغيرهم
__________________
(١) المائدة : ٥.