فلا تخلو بلدة من بلاد الروم من تلميذ له وتلميذين وثلاثة.
وفي سنة إحدى وستين ومائة وألف وجه له الوزير إسماعيل باشا خطابة الجامع الذي أنشأه بساحة بزي بعشرين عثمانيا ، ثم انحطت الوظيفة بعد موت المشار إليه إلى ثمانية عثامنة. واستمر صاحب الترجمة يباشر إمامة جامع الرضائية على الوجه المشروح إلى سنة خمس وسبعين ومائة وألف ، فاعتراه الضعف الطبيعي والعجز عن المجيء إلى الجامع. يقول محرر هذه الترجمة : وذلك لموت ولده السيد محمود النجيب الأديب في سنة ١١٧٣ ، وكانت والدته بنت الحاج محمد الحريري الشهير بالفلاح عرضها والدها عليه رغبة فيه وزوجه إياها وأمهرها من ماله وأتحفه بها ، فأولدها السيد محمود وخديجة أم الخير ، وكان محمود من الجمال وحسن الصوت والخط والفهم والذكاء وقوة الحافظة والكمال على جانب عظيم ، وكان يتوسم فيه أن يفوق عليه ، فطعن سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ومات مطعونا ، فأسف هو والناس عليه أسفا عظيما وانقصم ظهره لموته وانحطت قوته جزاه الله عن مصيبته به أحسن الجزاء.
وكنت أسمع ممن شاهد ذلك أن محمودا المذكور كان إذا أذن في بعض الأوقات في المسجد الذي بقرب داره ينقطع الطريق من الازدحام على سماع صوته ، ولا يمكن أن يمر أحد من الناس مسلما كان أو ذميا إلا ويقف ويسمع صوته لحسنه وجودته. قال المؤرخ : فوكل وكيلا وانقطع في بيته يتلو كتاب الله ويقرىء الناس القرآن العظيم لا يغلق دون مستفيد بابا ولا يخرج إلا إلى الصلاة في المسجد المجاور لبيته في محلة قصطل الأكراد. وبالجملة فهو من أفراد زمانه ونادرة أوانه ، اجتمع فيه من الفضائل والكمالات ما لم يجتمع لغيره.
يقول محرر هذه الترجمة : ولقد كتب رحمهالله كثيرا بخطه من الكتب النفيسة (ذكرها ثم قال :) وكان ذا عفة وغناء نفس وعدم نظر إلى الدنيا وطموح نفس إلى أهلها ، وكان رحمهالله لا يبقي على شيء ، وإن زاد عليه شيء تصدق به ، وكان ديدنه كل يوم الخروج إلى صلاة العصر في المسجد المجاور لداره في محلة الأكراد ويعرف الآن بمسجد خير الله ، وعرف ذلك منه فصار يقصده جماعة من الفقراء المستورين من ذوي البيوت فيعطيهم سرا لا تدري شماله ما أنفقت يمينه. ولقد كان في بعض السنين غلت الأسعار واشتد الأمر على الناس ، فصار يرسل حوائجه إلى سوق البادستان وملبوسه ليبيعه ويتصدق خفية. وتوفي رحمهالله ولم يبق شيئا من الدنيا سوى دار السكنى وبعض ملبوسات جزئية. وسمعت