من المرحوم ولده والدي أنه كان في جيبه اثنتا عشرة مصرية فضية لما مات إلى رحمة الله. ولما انقطع إلى الله في بيته صارت الوزراء كأسعد باشا العظمي والموالي ووجوه البلدة كمحمد أفندي الطرابلسي وأحمد أفندي الكواكبي يأتون لزيارته والتبرك به وبتلاوته وسماع صوته الحسن ، وأهل العلم والصلاح كالشيخ عبد الكريم الشراباتي وكالشيخ أبي بكر الهلالي كلهم لهم فيه اعتقاد وحسن ظن.
وكان إسماعيل باشا الوزير لما رتبه في الخطابة بجامعه كتب للدولة العلية وعمل له رتبة الخارج بتدريس الحسامية التي الآن تدريسها على محرر هذه الترجمة برتبة السليمانية ، فلم ينظر إليها ولم يلتفت وذلك لأجل أن يكون خطيب جامعه يصعد المنبر بكوجك رتبه لي. ولما مات قريبه السيد أحمد أفندي يحيى بيك زاده وذلك قبل وفاة المترجم بأربعين يوما خرج للجنازة وكانوا هيئوا قبر صاحبها ، وصادف قربه من قبر والدة صاحب الترجمة ، فلما وصل إلى قبر والده ضرب بعكازه الأرض وقال : يا قبير جاءك دبير ، ونزل من الجنازة وكتب وصيته بخطه ووضعها بجيبه واعتراه حمى الربع ، فليلة كانت وفاته واحتضر شرع في قراءة سورة يس وأتمها وشرع في كلمة التوحيد ثم في لفظ الجلالة ، وصار يحرك رأسه للذكر بها حتى دارت عمامته من وراء إلى قدام وانتقل إلى رحمة الله وذلك في جمادى سنة ١١٨٣ وله من العمر ست وسبعون سنة. ثم ذكر هنا نص وصيته وسنده في الطريق ويطول الكلام بذكر ذلك.
وللأديب الشهاب أحمد الوراق قصيدة مقصورة يمدح بها المترجم مثبتة في تاريخ عبد الله آغا الميري وهي :
بعيشك حادي أقف بالحمى |
|
مطيك علّي أداوي الحشا |
وقف بي قليلا بتلك الربوع |
|
فإني معنّى بعرب النقا |
وإني بهم لأخو حسرة |
|
وإني عليهم شديد البكا |
سقى الله عهدا تقضى بهم |
|
وجاد عليه سحاب اللقا |
عهود تقضت بسفح اللوى |
|
بلذة عيش ونيل المنى |
برشف الثغور وضم الخصور |
|
وطرد الكدور وجني الجنى |
ولثم الخدود وهصر القدود |
|
وحصر الهنود (١) بغير احتشا |
__________________
(١) لعل الصواب : النهود.