وفي سنة ألف ومائتين وسبع وسبعين آب إلى بلدته وأخذ في نشر العلم هناك ، وشرع في التأليف فاختصر من البخاري الشريف أحاديث سماها «السراج المنير في أحاديث البشير النذير» وشرحها ، وألف رسالة في علم الكلام سهلة العبارة ، وعمل قصتين في مولد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وشرع في تأليف فتاوي في الفقه الحنفي سماها «الكريمية» جمع فيها صحيح المذهب ، إلا أنها لم تتم له بسبب تجرده التام في ذلك الحين وانقطاعه عن الناس ولزومه للتعبد والتبتل.
وفي سنة ألف وتسع وثمانين ومائتين انتقل بأهله إلى مدينة حلب وتوطنها.
وفي تلك السنة سافر إلى بغداد لزيارة الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وحصل له مزيد الإكرام من ذرية الشيخ القاطنين ثمة لما ظهر لهم من علمه وكرم أخلاقه.
وكان رحمهالله متقنا لعلم الحديث وتعبير الرؤيا بارعا فيهما ، وعلى جانب عظيم من الصلاح والتقوى والزهد في هذه الدنيا ، منقطعا في بيته للمطالعة والتعبد ، لا يزور أحدا من الكبراء والأمراء ولا يتطلع إلى وظيفة ، وللناس فيه اعتقاد عظيم ، يزورونه ويطلبون منه صالح الدعوات ويستشفون بما يكتب لهم من الآيات القرآنية على قطعة من السكر أو غير ذلك ، ولا يأخذ على ذلك أجرا. وكان ربما يخرج إلى سوق محلته فيقعد عند بعض الباعة قليلا ترويحا للنفس ثم يعود إلى بيته. وبالجملة فإنه ممن سلم الناس من لسانه ويده ، وممن ترك ما لا يعنيه واشتغل بخويصّة نفسه واجتهد فيما يستنير به قلبه ، واستبانت ملامح ذلك على أسارير وجهه ، فكان الناظر إليه لا يشك في صلاحه وتقواه. ورؤيت له عدة مكاشفات دلت على صفاء سريرته وعمارة باطنه وأنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.
ولم يزل مرضيّ الطريقة محمود الأقوال والأفعال إلى أن توفي ليلة الجمعة لأربع خلت من شهر رمضان سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وعشرين ، وكانت جنازته حافلة ، ودفن في تربة الشيخ ثعلب غربي محلة المشارقة ، وخلف ولدين هما العالم الفاضل الشيخ علي أفندي قاضي مدينة حلب الآن (أي في سنة ١٣٤٥) والشيخ أحمد أفندي قاضي إدلب سابقا.
١٣٠١ ـ عطاء الله أفندي المدرّس المتوفى سنة ١٣٢٣
الحاج عطاء الله أفندي ابن مفتي حلب الشيخ عبد الرحمن أفندي ابن الشيخ حسن