امتلأ قلبه فزعا وفرقا ، لأنه كان عالما بما كان عليه السلطان عبد الحميد من السطوة والبطش.
ثم إن الشيخ أبا الهدى شوّقه إلى السياحة والرحلة إلى البلاد الهندية بقصد نشر الطريقة الرفاعية هناك ، وحسّن له ذلك ، فأجابه إلى ما طلب ، وأخذ عنه الطريقة ، وسافر قاصدا تلك البلاد الشاسعة ، ولما وصلها حاول أن يتوصل إلى غرضه ويقوم بما عهد إليه ، فلم يتمكن من ذلك ، وذلك لشدة تمسك أهالي الهند بالطريقة القادرية واحترامهم العظيم المجاوز للحد للشيخ عبد القادر الكيلاني ، فأخفقت مساعيه وخابت آمال مرسله إلى هناك ، فعاد إلى وطنه حلب ، فألقى فيها عصا تسياره.
وكان قبل سفره وجه إليه درس الحديث في الجامع الكبير وهو درس أبيه ، فأخذ في قراءته وعيّن خطيبا وإماما في جامع المدرسة الشعبانية ومدرسا عاما في مسجد شاهين بك ، وصار شيخا في مشيخة الزاوية الهلالية بعد وفاة شيخها الشيخ بكّور الهلالي رحمهالله وكالة عن الشيخ عبد القادر الهلالي ابن الشيخ بكور إذ كان صغيرا وقتئذ. وصار يقرىء دروسا نحوية وفقهية وغير ذلك ، فتلقى عنه الشيخ عبد الرحمن أبو قوس والشيخ مظهر أفندي الريحاوي الذي تولى القضاء في عدة أقضية من معاملات حلب. وصار في أواخر حياته مستشارا في المحكمة الشرعية في حلب والشيخ زكي أفندي الكاتب قاضي منبج الآن وغيرهم.
وفي سنة عشر وثلاثمائة عيّن مفتيا للرقة من معاملات حلب ، فتوجه إليها ، ولما وصلها واستلم زمام وظيفته وجد أهلها على غاية من الجهل في أمور دينهم ودنياهم ، فنشر العلم هناك وصار يقرأ دروسا عامة ويعظ الناس ويحثهم على إقامة الصلاة ، إذ كان القليل فيهم من يؤديها لفرط جهلهم ، فلم تمض مدة وجيزة إلا وصار غالب أهاليها يقيمون الصلاة حتى النساء ، فصدق عليه حديث (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم).
وأقرأ هناك كتاب «الموطأ» للإمام مالك. والخلاصة أن الأهالي هناك انتفعوا به مزيد النفع إذ قد طالت مدته فيهم. وسعى في تلك المدة ببناء جامع واسع مشتمل على عدة حجرات ، وبني بناء حسنا بحيث لا يوجد في البلدة بناء أجمل ولا أحكم منه. وسعى