الشيخ عبد الرحمن السجويني وعلى ملّاكجكه الأربلي ، وهو آخر شيوخه ، قرأ عليه في علم الفلك.
ثم أتى حلب في نواحي سنة ١٣١٥ وهو قد ناهز الأربعين ، فجاور في المدرسة الأحمدية. وبعد مدة ظهر فضله وعرف علمه فسارع إليه بعض الطلاب للقراءة عليه في العلوم الآلية خصوصا المنطق والمعاني والبيان وفي التوحيد والأصول ، فقد كان له في هذه العلوم اليد الطولى مع التحقيق والتدقيق في العبارة مع التقرير باللغة العربية بدون حشو في تقريره ، غير أنه رحمهالله لم يكن فصيح اللسان في اللغة العربية ، وإذا قرأ لأبناء الأكراد قرر لهم الكتب العربية باللغة الكردية مع فصاحة وحسن بيان لأنها لغته الأصلية. ولما سمعت بفضله بادرت إليه فقرأت عليه شرح الشمسية للقطب الرازي ، وذلك في شوال من سنة ١٣١٩ ، وأتممت قراءته عليه في ذي الحجة سنة ١٣٢١. ثم قرأت عليه شرح المقولات العشر للسجاعي وكتابا في علم الفلك. وفي أوائل سنة ١٣٢٢ ابتدأت بقراءة شرح ابن ملك على متن المنار في علم الأصول مع مشارفة حواشيه الثلاث المطبوعة معه في الآستانة ، وهي حاشية الرهاوي وحاشية عزمي زاده والحاشية المسماة أنوار الحلك على ابن ملك للرضي الحنبلي الحلبي ، وكنت أول من استحضر هذه الحواشي من الآستانة ، قرأت عليه معظم هذا الشرح مع حواشيه ، وبقي منه بقية قليلة ، بقيت في قراءة ذلك إلى أواخر سنة ١٣٢٤ ، وحالت بعض المشاغل الدنيوية دون إتمامه.
ولازمته كما ترى خمس سنين أو أزيد قليلا فلم أر فيه غير التقوى والصلاح والزهد في الدنيا. ولم يكن زيه زي العلماء ، بل بقي على نسق علماء الأكراد في بلاده حيث كان يلبس الثوب من الغزل وفوقه عباءة شقراء وقلنسوة من الكتان على رأسه فوقها عمامة صغيرة يلفها كيفما اتفق ، لا يظن رائيه أنه من العلماء بل يظنه أنه بعض الفلاحين. وقد كان قانعا بذلك الراتب اليسير الذي يتناوله من وقف المدرسة مع سخاء يد وصدقة سرا وعلانية مع ضيق يده ، فكان ممن يصدق عليه قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)(١).
وكان من عادته أن يتناول القليل من طعام العشاء ، ثم يأخذ في شرب الشاي ، وكان
__________________
(١) الحشر : ٩.