مغرما به ، فكان يشرب منه في اليوم والليلة نحو عشر كاسات أو أزيد أحيانا ، ثم يأخذ في المطالعة في الليل وفي التلاوة ، ويظل ساهرا حتى مطلع الفجر ، فحينئذ يصلي ثم ينام إلى ضحوة النهار ، ثم بعد قيامه يتوضأ فيصلي الضحى ويتلو ما تيسر من القرآن ، ثم يأخذ في قراءة الدروس حتى المساء ، فيقرأ في النهار ثلاثة وأحيانا أربعة من الدروس. بقي على هذا المنوال من حين مجاورته في هذه المدرسة إلى حين وفاته لم يغير شيئا من حالته. وبالجملة فلم أر عليه رحمهالله شيئا يشينه ، بل كنت أجد فيه رجل الاستقامة والاقتداء بالسلف الصالح.
وبعد وفاة مدرس المدرسة الأحمدية الشيخ حسين الكردي وذلك في نواحي سنة ١٣٣٤ صار مدرسها ، وبقي على ما هو عليه من قراءة الدروس كما أسلفنا إلى أن مرض أياما قلائل ثم توفي في شهر محرم سنة ١٣٣٨ ، ودفن في تربة الشيخ ثعلب في طرفها تجاه المكتب السلطاني ، وعمر نحو الستين من العمر ، ولم يتزوج قط. وأسف عليه كل من عرف فضله وتقواه ، رحمهالله تعالى.
هذا وقد علمت مما تقدم أنني ظللت سنتين أقرأ في شرح الشمسية في علم المنطق للقطب الرازي ، وكنت قبل ذلك قرأت في هذا العلم شرح إيساغوجي وشرح السلم على الشيخ علي رضا الزعيم كما قدمته في ترجمته. والذي دعاني لعدم الاكتفاء بالكتابين الأخيرين وأغراني للتوسع فيه وقراءة شرح الشمسية مع مشارفة حاشية السيد عليه قولهم : المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. فأكبرت هذا العلم لعظم فائدته ، فوجهت الهمة حينئذ لتحصيله ، وصرفت ذلك الوقت الثمين في قراءته وحدي على أستاذي المتقدم. والحق يقال إنه لم يأل جهدا في قراءته لي قراءة تحقيق وتدقيق ، غير أني بعد الانتهاء من الكتاب لم أجد في نفسي تلك الثمرة التي ذكروها ولم تعصمني تلك القواعد في الذهن عن الخطأ في الفكر ، ووجدت نفسي أني لا أزال أخطىء وأصيب شأن الطبيعة البشرية التي هي مفطورة على ذلك إلا من عصمه الله تعالى ، فتيقنت من ذلك الحين أن لا فائدة في هذا العلم وأن من وهبه الله طبعا سليما وعقلا مستقيما لا حاجة له إلى هذا الفن ، وأن إتقان كل علم يكون بالعكوف عليه وتوجيه الهمة إليه وترويض الفكر فيه ، وذلك ما يدعونه الآن بالتخصص ، وأسفت غاية الأسف على وقتي الذي ذهب