سدى في قراءة هذا الكتاب وما يتعلق به من الحواشي ، وصرت أنادي من ذلك اليوم أن المنطق علم لا ينفع والجهل به لا يضر.
وتأييدا لما قلته وإزالة لما علق في بعض الأفكار كما كان علق بفكري أذكر لك أقوال العلماء فيه في مدحه وذمه ، ليطمئن بذلك قلبك وتزداد إيقانا بما قدمته من نفي ثمرته وأنه لا ينتظر من التوسع في تعلمه كبير فائدة.
أقوال العلماء الذين مدحوه وذهبوا إلى القول بثمرته :
قال في «كشف الظنون» ناقلا عن «مفتاح السعادة» :
المنطق لكونه حاكما على جميع العلوم في الصحة والسقم والقوة والضعف سماه أبو نصر الفارابي رئيس العلوم ، ولكونه آلة في تحصيل العلوم الكسبية النظرية والعلمية لا مقصودا بالذات سماه الشيخ الرئيس ابن سينا بخادم العلوم. وحكى أبو حيان في تفسيره البحر أن أهل المنطق بجزيرة الأندلس كانوا يعبرون عن المنطق بالمفعل تحرزا عن صولة الفقهاء ، حتى إن بعض الوزراء أراد أن يشتري لابنه كتابا في المنطق ، فاشتراه خفية خوفا منهم ، مع أنه أصل كل علم وتقويم كل ذهن. انتهى.
قال الغزالي : من لم يعرف المنطق فلا ثقة له في العلوم أصلا ، حتى روي عن بعضهم أنه فرض كفاية ، وعن بعضهم فرض عين.
قال الشيخ أبو علي بن سينا : المنطق نعم العون على إدراك العلوم كلها.
وقد رفض هذا العلم وجحد منفعته من لم يفهمه ولا اطلع عليه عداوة لما جهل ، وبعض الناس ربما يتوهم أنه يشوش العقائد مع أنه موضوع للاعتبار والتحرير ، وسبب هذا التوهم أن من الأغبياء الأغمار الذين لم تؤدبهم الشريعة من اشتغل بهذا العلم واستضعف حج بعض العلوم فاستخف بها وبأهلها ظنا منه أنها برهانية لطيشه وجهله بحقائق العلوم ومراتبها ، فالفساد منه لا من العلم.
قالوا : ويستغني عنه المؤيد من الله تعالى ومن علمه ضروري ، ويحتاج إليه من عداهما. (فإن قلت) : إذا كان الاحتياج بهذه المرتبة فما بال الأئمة المقتدى بهم كما لك والشافعي وأبي حنيفة رحمهمالله تعالى لم ينقل عنهم الاشتغال به ، وإنما هو من العلوم الفلسفية ،