ولما رأى والده إصراره على ذلك لم يجد بدا من موافقته وتركه وشأنه ، وحينئذ قطع علائقه مع الشركة ولزم المدرسة القرناصية وانقطع فيها لطلب العلم وأكمل حفظ القرآن بعد أن كان حفظ جانبا منه ، وأخذ في الجد والاشتغال.
وكان في مدة طلبه العلم في المدرسة خشن العيش متقشفا معتزلا عن الناس ، فحضر على الشيخ عبد اللطيف النجّاري في المدرسة القرناصية مبادىء النحو والفقه وغيرهما ، حتى إذا اتسع فهمه أخذ في الحضور على مدرس المدرسة إذ ذاك الشيخ مصطفى أفندي الريحاوي ، وعكف على حفظ المتون ، فحفظ بعد الكتاب المبين الشاطبية والألفية لابن مالك ، ومعظم متن التنوير في الفقه ، ومتن الجوهرة في التوحيد ، والسلم في المنطق وغير ذلك.
وتلقى عن الشيخ الكبير الشيخ أحمد الترمانيني ، وكان الشيخ يتوجه إليه في حلقة الدرس من بين الحاضرين ويخصه بالنظر والخطاب لما يراه فيه من الثقافة والنباهة. وتلقى أيضا عن العالم المدقق الشيخ علي القلعة جي وهو خاتمة أشياخه ، فإنه كان أيضا يخصه بالمذاكرة والمحاورة ويعتمد عليه ، حتى إنه إذا عرض يوما لصاحب الترجمة مانع منعه من حضور الدرس فالشيخ لا يقرأ الدرس في ذلك اليوم. فنما ذكره بين المشايخ والطلاب وأخذت شهرته تنتشر آنا فآنا حتى أصبح المفرد العلم. ولم يبلغ الثلاثين من عمره حتى برع في الفقه والأصول والفرائض والنحو والمنطق وسائر الفنون الآلية ، فشاع صيته وعرف كل ذي فضل فضله ، وصار إليه مفزع الناس في معضلاتهم ، وعليه المعوّل في حل مشكلاتهم.
أساتذته :
أما أساتذته الذين تلقى عنهم فمنهم الشيخ مصطفى الريحاوي مدرس القرناصية ، قرأ عليه الفقه الحنفي ، والشيخ مصطفى أفندي الكردي مدرس العثمانية ، قرأ عليه علم المنطق ، والشيخ أحمد الترمانيني ، قرأ عليه علمي الصرف والنحو ، والشيخ عبد السلام الترمانيني ، قرأ عليه صحيح البخاري وغير ذلك من كتب الحديث ، والشيخ إبراهيم اللبابيدي ، قرأ عليه علم أصول الفقه ، والشيخ مصطفى الشربجي ، قرأ عليه علم الفرائض ، والشيخ علي