وفي سنة ١٣٠٤ عين أمينا للفتوى لما عين الشيخ أحمد الزويتيني للإفتاء بإلحاح منه ، ثم أعيد لرئاسة الكتاب في المحكمة الشرعية في زمن ولاية القاضي مصطفى رشدي أفندي ، ثم استقال حينما انفصل القاضي الموما إليه ، ثم أعيد في أوائل عهد القاضي تحسين بك ، ثم استقال حينما تحول تحسين بك قاضيا للآستانة سنة ١٣٠٨ ، ثم أعيد في أوائل عهد القاضي محمد مكي بك سنة ١٣٠٩ ، وبقي إلى سنة ١٣١١ إلى أن انفصل القاضي محمد مكي بك فاستقال هو أيضا ، ودعي بعد ذلك إلى هذه الوظيفة فلم يوافق.
سفره إلى القسطنطينية :
في سنة ١٣٣٢ دعته مشيخة الإسلام من الآستانة ليكون معاونا لأمانة الإفتاء فيها ، فأجاب بعد إلحاح من جلال بك والي حلب وقتئذ ، فسافر إليها في جمادى الآخرة من هذه السنة ، فبقي في الآستانة نحو خمسة أشهر. ورغما عما لاقاه هناك من الإعظام والتقدير وأسباب الراحة لم يطب له المقام هناك أولا من جهة حنينه إلى أوطانه وعدم صبره على مفارقة عائلته وهو في سن الشيخوخة ، وثانيا من انزعاجه من برد القسطنطينية ، فإنه رحمهالله كان شديد التأثر من البرد حتى كان يلبس الصوف في بيضة الصيف. فلذلك استأذن بالعود إلى حلب ، فعاد إليها في ذي القعدة من السنة المذكورة ، وكان يوم عوده يوما مشهودا أيضا لخروج كثير من العلماء والوجهاء والناس لاستقباله. ولما توجهت للسلام عليه في داره في المحلة المعروفة بابن يعقوب شرع يحدثنا عن حسن المكان الذي كان ساكنا فيه وارتفاعه وما هناك من المناظر الطبيعية البديعة ، ثم قال : ومع كل هذا فإني أفضّل داري هذه على كل ذلك. ومنشأ ذلك ما قدمناه ، وقد منحته الدولة العثمانية حين عوده لحلب رتبة الحرمين المحترمين.
ولما احتلت الجيوش العربية الفيصلية حلب وغادر حلب الحكام الأتراك ومن جملتهم القاضي سليمان سرّي وتشكلت الحكومة العربية ، وذلك سنة ١٣٣٧ ، عين من قبل الأمير فيصل (ملك العراق الآن) قاضيا لحلب ، فكان على شيخوخته يطالع أوراق الدعاوي ويدققها ويقول : لا يمكنني التوقيع على ورقة يصححها غيري. وبعد بضعة أشهر عين لمجلس التمييز في دمشق ، فلم يوافق على ذلك لعدم مساعدة سنه للسفر ، فاستعفى ولزم بيته مقتصرا على تدريس الفقه والحديث فيه إلى حين وفاته.