صفاته وأخلاقه :
كان رحمهالله ذا همة عالية ونفس أبية وعزيمة صادقة ، لا يشغله شاغل عن الجد والعمل ، فلا تلقاه إلا في المطالعة لدروسه أو قراءة لها أو إملاء على كاتب. وكان إذا أملى لا يحتاج أن يضرب على شيء مما كتبه إلا نادرا. وكان كثير التعبد والتلاوة للقرآن.
وكان حصيفا حازما يقظا وافر العقل مطلعا على مجريات الأحوال خبيرا بأحوال الناس عارفا بمقامهم ، ينزل كل إنسان منزلته. وكان له المقام الأعلى في المجامع ، وهو الصدر في المجالس ، وله الكلمة العليا إذا التفت المحافل ، لا تنعقد هيئة علمية للتداول في أمر هام ويكون فيها فيجسر أحد على الكلام ، بل ينتظرون ما يصدر عن رأيه الصائب وفكره الثاقب ، فيكون قوله فصل الخطاب.
وكثر لكثرة فضله حاسدوه ، ولم يخل من انتقاد بعض الناس له ، شأنهم في كل رجل ألبسه الله ثوب نعمة وفضل من مال وعلم. على أننا لا ندعي أن شيخنا كان من المعصومين ولا ممن لم تبدر منهم هفوة في مدة حياتهم. وأي رجل يقارع الرجال وينازل الأبطال في معترك هذه الحياة ولا تقع منه زلة ولا يعرف له خطأ ولا تبدو منه هفوة. وأظن أنا لو طلبنا هذا الرجل لتطلبنا المستحيل من الأمور.
ولا ريب أنه كان له هفوات بدرت منه فإنها لا تعد شيئا مذكورا بجانب كثرة صوابه وجليل محاسنه. ولا بد للجواد من كبوة وللسيف الصقيل من نبوة ، وحسبنا أن نقول فيه (١) :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها |
|
كفى المرء نبلا أن تعد معايبه |
وكان عظيم التواضع يأنس بالعوام كثيرا ويحتمل منهم ، وكان سخي اليد له صدقات كثيرة.
وكان مربوع القامة إلى الطول أقرب ، جميل الطلعة ، دري اللون ، عظيم المهابة والوقار كما تراه في رسمه الذي أخذ حينما أزمع على السفر إلى الآستانة بالإلحاح الشديد من أبنائه وعائلته من غير رغبة منه ، ولذا تراه فيه عابسا وكانت سنه ٧٥ سنة.
__________________
(١) البيت ليزيد بن محمد المهلبي.