الحريري ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي نزيل حلب ومفتيها. وسافر إلى إسلامبول ، ثم عاد إلى حلب وتولى نيابة القضاء في محاكمها الأربع. وارتحل إلى طرابلس الشام وإلى الموصل مع حاكمها الوزير أحمد ، ثم قدم حلب ومكث بها ، ثم ارتحل للقدس ثانيا في زمن مفتيها المولى أحمد بن الشيخ طه ، وأخذ الحديث عن الشيخ محمد التافلاني ، وفي مروره مع القاضي المذكور على دمشق نزلا في دارنا واستقاما مدة عندنا ، وكان بين والدي وبين القاضي المذكور مودة ومحبة.
وكان والد المترجم من التجار المشاهير بحلب والرؤساء أرباب الشهرة والشان ، وولده صاحب الترجمة اشتهر بالأدب والكمالات ، وكانت تجري بين أدباء عصره ومصره وبينه المحاورات والمطارحات ، وفي آخر أمره ترك تعاطي أمور الأحكام ولازم ما لابد منه.
وله شعر مقبول رأيت أكثره ، فمن ذلك قوله لما أصاب حلب من الزلزال ما أصاب :
سنا نور سر الذات أشرق في الحشا |
|
فزال بذاك النور عن طرفي الغشا |
وشاهدت أن لا شيء دون وصالها |
|
وأيقنت فضل الله يؤتيه من يشا |
ونزهت طرفي في رياض جمالها |
|
فعاد بريّا نشرها القلب منعشا |
فحيا شذاها ميت قلبي وحبها |
|
تملك أحشائي وفي اللب عرّشا |
ومذ علمت أني أسير بحبها |
|
فجادت بما أبغيه منها وما أشا |
وبت بنادي القرب أرشف ثغرها |
|
فأصبحت نشوانا وسرّي قد فشا |
وذاع لدى العشاق أمري وأنني |
|
خلعت عذاري واسترحت من الوشا |
وبادرت نحو الحان من فرط شوقها |
|
أنادي أيا خمار كن لي منعشا |
فجاء بها عذراء بكرا قديمة |
|
وقال لي افضض ختمها كيفما تشا |
تعاطيتها صرفا ومزجا مشاهدا |
|
بها كشف أسرار لعقلي أدهشا |
عرفت فلما أن أفقت سمعت من |
|
فؤادي مناد عج من داخل الحشا |
أيا مفزع الجاني وأكرم شافع |
|
وأعظم مبعوث وأشرف من مشى |
إليك أنبنا والتجأنا فنجنا |
|
من الخطب والأهوال فالرعب قد غشا |
فأمّن بحق الحق قلبي لأنه |
|
من الخسف والزلزال قد خاف واختشى |
عليه وأسبل ذيل أمنك واكفه |
|
بجاهك عند الله في الصبح والعشا |