وقال الخليل اللهمّ نداء والميم هيهنا بدل من يا فهي هيهنا فيما زعم الخليل آخر الكلمة بمنزلة يا في أوّلها إلا أنّ الميم هيهنا في الكلمة كما أنّ نون المسلمين في الكلمة بنيت عليها فالميم في هذا الاسم حرفان ، أوّلهما مجزوم والهاء مرتفعة لأنه وقع عليها الاعراب واذا ألحقت الميم لم تصف الاسم من قبل أنه صار مع الميم عندهم بمنزلة صوت كقولك يا هناه وأما قوله عزوجل ، (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فعلى يا فقد صرّفوا هذا الاسم على وجوه لكثرته في كلامهم ولأنّ له حالا ليست لغيره ، وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أىّ توكيدا فكأنك كرّرت يا مرّتين اذا قلت يا أيّها وصار الاسم بينهما كما صار هو بين ها وذا اذا قلت ها هو ذا ، وقال الشاعر : [وافر]
(١) من اجلك يا التي تيّمت قلبي |
|
وأنت بخيلة بالودّ عنّى |
شبّهه بيا الله ، وزعم الخليل أنّ الألف واللام انما منعهما أن يدخلا في النداء من قبل أنّ كل اسم في النداء مرفوع معرفة ، وذلك أنه اذا قال يا رجل ويا فاسق فمعناه كمعنى يا أيّها الفاسق ويا أيّها الرجل ، وصار معرفة لأنك أشرت اليه وقصدت قصده واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التي هي للاشارة نحو هذا ، وما أشبه ذلك وصار معرفة بغير ألف ولام لأنك انما قصدت قصد شىء بعينه وصار هذا بدلا في النداء من الألف واللام واستغنى به عنهما كما استغنيت بقولك اضرب عن لتضرب ، وكما صار المجرور بدلا من التنوين ، وكما صارت الكاف في رأيتك بدلا من رأيت إيّاك ، وانما يدخلون الألف واللام ليعرّفوك شيئا بعينه قد رأيته أو سمعت به ، فاذا قصدوا قصد الشىء بعينه دون غيره وعنوه ولم يجعلوه واحدا من أمّة فقد استغنوا عن الالف واللام ، فمن ثم لم يدخلوهما في هذا ولا في النداء ، ومما يدلك على أنّ يا فاسق معرفة قولك يا خباث ويا لكاع ويا فساق تريد يا فاسقة ويا خبيثة ويا لكعاء فصار هذا اسما لهذا
__________________
(٤٥٤) الشاهد فيه دخول حرف النداء على الألف واللام في قولهم يا التي تشبيها بقولهم يا ألله للزوم الألف واللام لها ضرورة لا يجوز ذلك في الكلام ، ومعنى تيمت ذللت واستعبدت ومنه تيم اللات أي عبد اللات ، وقوله وأنت بخيلة بالود عني أي على وحروف الجر يبدل بعضها من بعض.