نعم ، قد تنسلخ عما وضعت له عرفا ، فتكون موجدة لمعنى آخر ، كإنشاء التأسف بأداة النداء في قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١) حيث لا يتضمن جعل النداء عرفا.
والحاصل : أن هذه الحروف لم توضع للحكاية عن معنى له تقرر في واقعة بنحو تكون قالبا له ، وإن كانت قد تكشف عن معنى كذلك لملازمة ذهنية أو عرفية ، وإنما وضعت لإيجاد معانيها إيجادا كلاميا ، فنسبة وضعها للمعاني المذكورة كنسبة وضع المطرقة للطرق والسكين للقطع ، لا كنسبة وضع الأسماء للمعاني الذي يراد به وضعها لبيانها والحكاية عنها بنحو تكون قالبا لها. وكذا الحال في نسبة المعاني لها.
ويلحق بالحروف المذكورة في ذلك أسماء الإشارة والضمائر والموصولات ونحوها ، فانها أدوات لإحداث نحو من الإشارة للشيء ـ كلام التعريف ـ إما مطلقا ـ كأسماء الإشارة ـ أو من حيثية معهوديته في الذهن ـ كضمائر الغيبة ـ أو من حيثية ما يتعلق به ـ كالأسماء الموصولة ـ فإن الإشارة في الجميع لا تقرر لها في نفسها مع قطع النظر عن الاستعمال ، بل تتحقق به ، كما هو الحال في الإشارة باليد التي تتحقق بالحركة الخاصة بقصدها.
نعم ، لما كانت الإشارة تتعلق بمشار إليه له تقرر في نفسه مع قطع النظر عنها ، وتبتني على التنبيه له ، كان لهذه الأسماء نحو من الحكاية عنه وكانت مستلزمة بطبعها لحضوره في الذهن.
وبهذا قد يدعى أن لها معاني إخطارية ، ولذا عدت من الأسماء وشاركتها في وقوعها طرفا للنسب المختلفة. فيتجه الكلام حينئذ في عمومها
__________________
(١) سورة يس : ٣٠.