«فأرسلون» خطاب ، إما للملك ، والجمع ، أو للملك وحده ؛ على سبيل التعظيم ، وفيه اختصار ، تقديره : فأرسلني أيها الملك إليه ، فأرسله فأتى السّجن.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : ولم يكن السجن في المدينة (١).
فقال : يوسف ، أي : يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) والصّدّيق : هو المبالغ في الصدق ، وصفه بهذه الصفة ؛ لأنه لم يجرب عليه كذبا ، وقيل : لأنه صدق في تعبير رؤياه ، وهذا يدلّ على أنّ الساقي والخباز لم يكذبا على يوسف في منامهما ، ولم يذكراه امتحانا له ، كما زعم بعضهم ثم إنّه أعاد السؤال باللفظ الّذي ذكره الملك ؛ فإن تعبير الرّؤيا قد تختلف باختلاف الألفاظ ؛ كما هو مذكور في علم التعبير لعلّي أرجع إلى النّاس بفتواك ؛ لأنه عجز سائر المعبّرين على الجواب ، فخاف أن يعجز هو أيضا ؛ فلهذا السبب قال : (لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون) منزلتك من العلم.
قوله : «تزرعون» ظاهر هذا ، إخبار من يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بذلك.
وقال الزمخشريّ : تزرعون خبر في معنى الأمر ؛ كقوله (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ) [الصف : ١١] ، وإنما خرج الأمر في صورة الخبر ؛ للمبالغة في إيجاب المأمور به فيجعل كأنّه وجد ، فهو مخبر عنه ؛ والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ).
قال أبو حيان (٢) : ولا يدلّ الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى : ازرعوا ، بل تزرعون إخبار غيب ، وأمّا فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه.
وهذا هو الظاهر ، ولا مدخل لأمر الله لهم بالزراعة ، لأنهم يزرعون على عادتهم أمرهم ، أو لم يأمرهم ، وإنما يحتاج إلى الأمر فيما لم يكن من عادة الإنسان أن يفعله كقوله في سنبله.
قوله دأبا قرأ حفص : بفتح الهمزة ، والباقون (٣) : بسكونها ؛ وهما لغتان في مصدر : دأب يدأب دأبا ، أي : داوم على الشيء ولازمه.
وقيل : بجدّ ، واجتهاد ؛ وهذا كما قالوا : ضأن وضأن ، ومعز ومعز : بفتح العين وسكونها.
قال أبو علي الفارسي (٤) : الأكثر في «دأب» الإسكان ، ولعلّ الفتح لغة وفي انتصابه أوجه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٢٧) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٢٩).
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٨٩.
(٣) ينظر : السبعة ٣٤٩ والحجة ٤ / ٤٢٤ ، ٤٢٥ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٠ وحجة القراءات ٣٥٩ والإتحاف ٢ / ١٤٨ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٣١٤ والدر المصون ٤ / ١٨٩.
(٤) ينظر : الحجة ٤ / ٤٢٥.