والثالث : أنه من العصرة ، وهي النجاة ، والعصر : المنجي. وقال أبو زيد في عثمان ـ رضي الله عنه ـ : [الخفيف]
٣١١٣ ـ صاديا يستغيث غير مغاث |
|
ولقد كان عصرة المنجود (١) |
[ويعضد](٢) هذا الوجه مطابقة قوله : (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) يقال : عصره يعصره ، أي: أنجاه. وقرأ جعفر (٣) بن محمد ، والأعرج : «يعصرون» بالياء من تحت ، وعيسى بالتاء من فوق ، وهو في كلتا القراءتين مبني للمفعول ، وفي هاتين القراءتين تأويلان :
أحدهما : أنها من عصره ، إذا أنجاه : قال الزمخشريّ : «وهو مطابق للإغاثة».
والثاني : ـ قاله قطرب ـ أنّهما من الإعصار ، وهو إمطار السحابة الماء ؛ كقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) [النبأ : ١٤] ، وقال الزمخشريّ : وقرىء : «يعصرون ، تمطرون» ، من أعصرت السّحابة ، وفيه وجهان :
إمّا أن يضمّن أعصرت معنى مطرت ، فيعدّى تعديته ، وإما أن يقال : الأصل : أعصرت عليهم ، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى ضميرهم أو يسند الإعصار إليهم ؛ مجازا ، فجعلوا معصرين.
وقرأ زيد (٤) بن عليّ : «تعصّرون» بكسر التاء ، والعين ، والصاد مشددة ، وأصلها يعتصرون ، فأدغم التاء في الصاد ، وأتبع العين للصاد ، ثمّ أتبع التاء للعين وتقدم [تقريره](٥) في قوله (إِلَّا أَنْ يُهْدى) [يونس : ٣٥].
ونقل النقاش قراءة «يعصّرون» بضمّ الياء (٦) ، وفتح العين ، وكسر الصّاد مشددة ؛ من «عصّر» للتكثير ، وهذه القراءة ، وقراءة زيد المتقدمة ، تحتملان أن يكونا من العصر للنبات ، أو الضّرع ، أو النّجاة ؛ كقول الشاعر : [الرمل]
٣١١٤ ـ لو بغير الماء حلقي شرق |
|
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٧) |
__________________
(١) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣١٣ ، الطبري ١٦ / ١٣١ ، روح المعاني ١٢ / ٢٥٦ اللسان : عطر ، الاقتضاب ٣٩٠ ، فتح القدير ٣ / ٣٢ ، المحتسب ١ / ٣٤٥ ، العيني ٤ / ٢٢٢ ، الخزانة ٣ / ٥٩٦ شواهد المغني ٨ / ٢٧ ، الدر المصون ٤ / ١٩٠.
(٢) في ب : ويطابق.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٥١ والبحر المحيط ٥ / ٣١٥ والدر المصون ٤ / ١٩٠.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣١٥ والدر المصون ٤ / ١٩٠.
(٥) في أ : تحريره.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٥١ والبحر المحيط ٥ / ٣١٥ والدر المصون ٤ / ١٩٠.
(٧) البيت لعدي بن زيد ينظر : ديوانه (٩٣) ، الكتاب (٣ / ١٢١) المغني ١ / ٢٦٨ ، الهمع (٢ / ٦٦) ، الخزانة (٨ / ٥٠٨) ، الدرر ٢ / ٨١ ، الأشموني ٤ / ٤٠ ، التصريح ٢ / ٢٥٩ ، التهذيب ٢ / ١٥ ، البحر المحيط ٥ / ٣١٥ ، اللسان : عصر ، الدر المصون ٤ / ١٩١.