يأكلن ، أي : يفنين ، ويهلكن الطعام إلّا قليلا ممّا تحصنون : تحرزون ، وتدّخرون ؛ للبذر.
«والإحصان : الإحراز ، وهو [إبقاء](١) الشيء في الحصن ، يقال : أحصنه إحصانا ، إذا جعله في حرز».
قوله [تعالى] : (يُغاثُ النَّاسُ) يجوز أن تكون الألف عن واو ، وأن تكون عن ياء : إما من الغوث ، وهو الفرج ، وفعله رباعي ، يقال : أغاثنا الله إذا أنقذنا من كرب أو غمّ ، ومعناه: يغاث النّاس من كرب الجدب.
وإما من الغيث ، وهو المطر ، يقال : أغيثت الأرض ، أي : أمطرت ، وفعله ثلاثي ، يقال: أغاثنا الله من الغيث ، وقالت أعرابية : غثنا ما شئنا ، أي : أمطرنا ما أردنا.
فصل
يقال : أسنتوا ، أي : دخلوا في سنة مجدبة : «وقال المفسّرون : السبعة المتقدمة : هي الخصب وكثرة النّعم ، والسّبعة الثانية : هي القحط ، وهي معلومة من الرؤيا ، وأمّا حال هذه السنة ، فما حصل في ذلك المنام ما يدلّ عليه ، بل حصل ذلك من الوحي».
قال قتادة ـ رحمهالله ـ : زاده الله علم سنة (٢).
فإن قيل : لما كانت العجاف سبعا ، دلّ على أنّ السنين المجدبة لا تزيد على هذا العدد ، ومن المعلوم أنّ الحاصل بعد انقضاء القحط ، هو الخصب ، فكان هذا ـ أيضا ـ من مدلولات المنام ، فلم قلتم : إنّه حصل بالوحي والإلهام؟.
فالجواب : هب أنّ تبدل القحط بالخصب معلوم ، وأما تفصيل الحال فيه ، وهو قوله (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) لا يعلم إلا بالوحي.
قوله يعصرون قرأ الأخوان : «تعصرون» (٣) بالخطاب ، والباقون بياء الغيبة ، وهما واضحتان ؛ لتقدم مخاطب أو غائب ، فكلّ قراءة ترجع إلى ما يليق بها.
و «يعصرون» يحتمل أوجها :
أظهرها : أنه من عصر العنب ، والزيتون ، والسمسم ، ونحو ذلك.
والثاني : أنّه من عصر الضّرع ، إذا حلبه.
__________________
(١) في ب : إلقاء.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٢٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.
(٣) ينظر : السبعة ٣٤٩ والحجة ٤ / ٤٢٥ ، ٤٢٥ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١١ وحجة القراءات ٣٥٩ ، ٣٦٠ والإتحاف ٢ / ١٤٩ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥١ ، والبحر المحيط ٥ / ٣١٤ والدر المصون ٤ / ١٩٠.