أجابه الملك في عالم الظاهر ، وأمّا المؤثر الحقيقيّ ، فليس إلّا أنه ـ تعالى ـ هو الذي مكّنه في الأرض ، وذلك ؛ لأنّ الملك كان متمكنا من القبول والرد فنسبة قدرته إلى القبول والرد (١) على التّساوي وما دام يبقى هذا التّساوي ، يمتنع حصول القبول ، فلا بدّ وأن يرجح القبول على الردّ في خاطر ذلك الملك ؛ وذلك لأنّ الترجيح لا يكون إلّا بمرجع يخلقه الله ـ تعالى ـ وإذا خلق الله ذلك المرجح ، حصل القبول لا محالة ، فالتمكين ليوسف في الأرض ليس إلّا من خلق الله ـ تعالى ـ بمجموع القدرة والدّاعية الجازمة التي عند حصولها ، يجب ألّا يؤخّر هذا السبب ، فترك الله إجابة الملك ، واقتصر على ذكر التّمكين الإلهي ؛ لأنّ المؤثّر الحقيقيّ ليس إلا هو».
قوله : «وكذلك» الكاف منصوبة بالتمكين ، و «ذلك» إشارة إلى ما تقدم أي : ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبنا إياه من قلب الملك ، وإنجائنا إياه من غمّ الحبس ، (مكنا له في الأرض).
وقوله «ليوسف» يجوز في هذه اللام أن تكون متعلقة ب «مكّنّا» على أن يكون مفعول «مكّنّا» محذوفا ، تقديره : مكنا ليوسف الأمور ، أو على أن يكون المفعول به «حيث» ، كما سيأتي ، ويجوز أن تكون زائدة عند من يرى ذلك.
وقد تقدّم أنّ الجمهور يأبون ذلك إلّا في موضعين.
قوله «يتبوّأ» جملة حالية من «يوسف» ، و «منها» يجوز أن تتعلّق ب «يتبوّأ» ، وأجاز أبو البقاء : أن يتعلق بمحذوف ، على أنّها حال من «حيث» ، و «حيث» يجوز أن يكون ظرفا ل «يتبوّأ» ، ويجوز أن يكون مفعولا به وقد تقدم تحقيقه في الأنعام.
وقرأ ابن كثير (٢) : «نشاء» بالنّون على أنّها نون العظمة لله تعالى.
وجوّز أبو البقاء : أن يكون الفاعل ضمير يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال : «لأنّ مشيئته من مشيئة الله ـ عزوجل» ؛ وفيه نظر ؛ لأن نظم الكلام يأباه.
والباقون : بالياء على أنه ضمير يوسف ، ولا خلاف في قوله : «نصيب برحمتنا من نشاء» ، أنّها بالنون.
وجوّز أبو حيّان (٣) : أن يكون الفاعل في قراءة الياء ضمير الله تعالى ، ويكون التفاتا. ومعنى (يَتَبَوَّأُ مِنْها) أي : ينزل منها حيث يشاء ويصنع فيها ما يشاء (٤).
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر : السبعة ٣٤٩ والحجة ٤ / ٤٢٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٢ وحجة القراءات ٣٦٠ والإتحاف ٢ / ١٤٩ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥٦ والبحر المحيط ٥ / ٣١٨ والدر المصون ٤ / ١٩٣.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣١٨.
(٤) سقط من : ب.