يكرهون الأكل بين يدي السّباع ؛ يخافون عيونها ؛ لما فيها من النّهم ، والشّره ، ولما ينحلّ عند ذلك من أجوافها من البخار الرّديء ، وينفصل من عيونها إذا خالط الإنسان نقصه وأفسده ، وكانوا يكرهون قيام الخدم بالباب والأشربة على رءوسهم مخافة العين ، وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا ، وكانوا يقولون في الكلب والسّنور : إمّا أن يطرد ، وإمّا أن يشغل بما يطرح له ، قال : ونظيره : أن الرجل يضرب الحية بعصا ؛ فيموت الضارب ؛ لأنّ السّمّ فصل من الحية ، فسرى فيه حتى داخله ، ويديم الإنسان النظر إلى العين المحمرة ؛ فيعتري عينه حمرة.
وعن الأصمعيّ ـ رحمهالله ـ : أنّ عيونا كان يقول : إذا رأيت (١) الشّيء يعجبني ، وجدت حرارة تخرج من عيني.
وعنه : كان عندنا عيّانان ، فمرّ أحدهما بحوض من حجارة ، فقال : بالله ، ما رأيت كاليوم مثله ، فانصدع فلقتين ، فصبّ ، فمرّ عليه فقال : رأيتك تقل ما خزرت أهلك فيك ، فتطاير أربعا.
وسمع آخر صوت بول من وراء جدار فقال : إنّك تراني كثير الشّخب جيّد البول ، قالوا : هذا آتيك ، قال : وانقطاع ظهراه ، فقيل : لا بأس فقال : لا يبول بعدها أبدا ، فما بال حتّى مات.
وسمع صوت شخب بقرة فأعجبه ، فقال : أيتهنّ هذه ، فواروا بأخرى عنها ؛ فهلكتا جميعا ، المورى بها ، والمورى عنها.
والمنقولات في هذا كثيرة ؛ فثبت أنّ الإصابة بالعين حقّ ، لا يمكن إنكاره.
قال القرطبيّ (٢) : وإذا كان هذا معنى الآية ؛ فيكون فيها دليل على التّحرّز من العين ، وواجب على كل مسلم إذا أعجبه شيء أن يبرك ، فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ، ألا ترى لقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «ألا برّكت» فدلّ على أنّ العين لا تضرّ ، ولا تعدو إذا برّك العائن ، وأنها إنّما تعدو ؛ إذا لم يبرك ، والتّبريك أن يقول : «تبارك الله أحسن الخالقين ، اللهمّ بارك فيه» ، وإذا أصاب العائن بعينه ؛ فإنّه يؤمر بالاغتسال ، ويجبر على ذلك إن أبى ؛ لأنّ الأمر للوجوب ، لا سيّما هنا ، فإنّه يخاف على المعين الهلاك ، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به ، ولا يضره هو ، ولا سيما إذا كان بسببه ، وكان الجاني عليه.
قال القرطبيّ (٣) : «من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة النّاس دفعا للضّرورة».
وقال بعض العلماء : يأمره الإمام بلزوم بيته ، وإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به ، ويكفّ أذاه عن الناس.
__________________
(١) في ب : وجدت.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٤٨.
(٣) ينظر : المصدر السابق.