أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء] ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] والمعنى : القصّة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر : الله أحد ، ثمّ إنّ العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تدخل عليه أيضا ، كقوله (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) [طه : ٧٤] (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦].
وإذا عرفت هذا فنقول : نفس المضمر على شريطة التّفسير في كلا الجملتين متّصل بالجملة التي فيها الإضمار ، ولا يكون خارجا عن تلك الجملة ، ولا مباينا لها ، وههنا التفسير منفصل عن الجملة الّتي حصل فيها الإضمار ؛ فوجب ألّا يحسن.
والثاني : أنّه ـ تعالى ـ قال : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) وذلك يدل على أنه ذكر ذلك الكلام ، ولو قلنا : إنّه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أضمر هذا الكلام لكان قوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) كذبا.
قال ابن الخطيب (١) : «وهذا الطّعن ضعيف من وجوه :
الأول : لا يلزم من حسن القسمين الأولين قبح قسم ثالث.
وأما الثاني : فلأنا نحمل ذلك على أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال ذلك على سبيل الخفية ، وبهذا [التقسيم](٢) سقط السّؤال.
والوجه الثاني : وهو أنّ الضمير في قوله : «فأسرّها» عائد إلى الإجابة ، كأنّهم لما قالوا : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) أسرّ يوسف عليهالسلام إجابتهم في نفسه في ذلك الوقت ، ولم يبدها لهم في تلك الحالة إلى وقت ثان ، ويجوز أن يكون إضمارا للمقالة ، والمعنى : أسرّ يوسف مقالتهم ، والمراد من المقالة متعلق تلك المقالة ؛ كما يراد بالخلق والمخلوق ، وبالعلم المعلوم ، يعني : أسرّ يوسف كيفية تلك السّرقة ، ولم يبين لهم أنها كيف وقعت ، وأنه ليس فيها ما يوجب الطّعن».
روي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : عوقب يوسف ثلاث مرّات : لأجل همّه بها ؛ فعوقب بالحبس ، وبقوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ؛ عوقب بالحبس الطّويل ، وبقوله : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ؛ عوقب بقوله : (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ).
ثم قال : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) ، أي : أنتم شرّ منزلة عند الله ، بما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم ، وعقوق أبيكم ؛ فأخذتم أخاكم ، وطرحتموه في الجبّ ، ثم قلت لأبيكم : (يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) وأنتم كاذبون ، ثم بعتموه بعشرين درهما ، ثمّ بعد المدّة الطويلة ، والزّمان المديد ، ما زال الحقد والغضب عن قلوبكم ؛ فرميتموه بالسّرقة ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) ، أي : إن سرقة يوسف كانت (٣) لله رضا ؛ فلا توجب عود الذمّ ، واللّوم إليه (٤).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٤٧.
(٢) في ب : التفسير.
(٣) سقط من : ب.
(٤) تقدم.