وقد جعل بعضهم البيت ممّا فسر فيه الضمير بذكر ما هو كلّ لصاحب الضّمير ، فلا يكون ممّا فسّر فيه بالسّياق.
وقال الزمخشريّ (١) إضمار على شريطة التّفسير ، يفسره «أنتم شرّ مكانا» وإنّما أنّث ؛ لأن قوله : (شَرٌّ مَكاناً) جملة ، أو كلمة على تسميتهم الطّائفة من الكلام كلمة ، كأنّه قيل : فأسر الجملة ، أو الكلمة التي هي قوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) قال : لأن قوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) بدل من : «أسرّها».
قال شهاب الدّين (٢) : وهذا عند من يبدل الظاهر من المضمر في غير المرفوع ؛ نحو ضربته زيدا ، والصحيح وقوعه ؛ كقوله : [الرجز]
٣١٣٠ ـ فلا تلمه أن يخاف البائسا (٣)
وقرأ عبد الله (٤) وابن أبي عبلة : «فأسرّه» بالتّذكير قال الزمخشريّ «يريد القول ، أو الكلام».
قال أبو البقاء (٥) : «الضمير يعود إلى نسبتهم إيّاه إلى السّرقة ، وقد دلّ عليه الكلام».
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : قال في نفسه : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً). وأسرّها أي هذه الكلمة.
قال شهاب الدين (٦) : ومثل هذا ينبغي ألّا يقال ، فإنّ القرآن ينزّه عنه و «مكانا» تمييز ، أي : منزلة من غيركم ، والمعنى : أنتم شرّ منزلا عند الله ممن رميتموه بالسّرقة في صنيعكم بيوسف ؛ لأنه لم يكن من يوسف سرقة حقيقة ، وخيانتكم حقيقة.
وقد طعن الفارسيّ رحمهالله على كلام الزمخشريّ من وجهين :
الأول : قال : الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين :
أحدهما : أن يفسّر بمفرد ، كقولنا : نعم رجلا زيد ، ففي : «نعم» ضمير فاعلها و «رجلا» تفسير لذلك الفاعل المضمر.
والآخر : أن يفسر بجملة ، وأصل هذا يقع به الابتداء ، كقوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٠٤.
(٣) البيت للعجاج وصدره :
فأصبحت بقرقرى كوانسا
ينظر : الكتاب ١ / ٢٥٥ ، المغني ٥٩٣ ، والدرر ١ / ٤٥ ، الهمع ١ / ٦٦ ، ورصف المباني ٦٨٩ ، والدر المصون ٤ / ٢٠٤ ويروى : فلا تلمه أن ينام البائسا.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩٣ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٦٧ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٩ والدر المصون ٤ / ٢٠٤.
(٥) ينظر : الإملا ٢ / ٥٧.
(٦) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٠٤.