قال الزمخشريّ (١) : بمعنى ومن قبل هذا ما فرطتموه ، أي : قدّمتموه في حقّ يوسف من الجناية ، ومحلّها الرّفع ، أو النّصب على الوجهين.
يعني بالوجهين رفعها بالابتداء ، وخبرها «من قبل» ، ونصبها على مفعول «ألم تعلموا» ، فإنّه لم يذكر في المصدرية غيرهما ، وقد تقدّم ما اعترض به عليهما ، وما قيل في جوابه.
فتحصل في «ما» ثلاثة أوجه :
الزيادة ، وكونها مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وأن في محلها وجهين : الرفع ، أو النصب.
قوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) برح هنا تامة ، ضمنت معنى أفارق ف : «الأرض» مفعول به ، ولا يجوز أن تكون تامّة من غير تضمين ؛ لأنها إذا كانت كذلك ؛ كان معناها :ظهر أو ذهب ، ومنه : برح الخفاء ، أي : ظهر ، أو ذهب ، ومعنى الظهور لا يليق ، والذهاب لا يصل إلى الظّرف المخصوص إلّا بواسطة «في» : تقول : «ذهبت في الأرض» ولا يجوز ذهبت الأرض ، وقد جاء شيء لا يقاس عليه (٢).
وقال أبو البقاء : «ويجوز أن يكون ظرفا».
قال شهاب الدّين (٣) : «يحتمل أن يكون سقط من النّسخ لفظ «لا» ، وكان : «ولا يجوز أن يكون ظرفا».
واعلم أنه لا يجوز في «أبرح» هنا أن تكون ناقصة ؛ لأنّه لا ينتظم من الضمير الذي فيها ، و «من الأرض» مبتدأ أو خبر ، ألا ترى أنّك لو قلت : أنا الأرض لم يجز من غير «في» بخلاف «أنا في الأرض وزيد في الأرض».
قوله : (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ) في نصبه وجهان :
أظهرهما : عطفه على : «يأذن».
والثاني : أنه منصوب بإضمار «أن» في جواب النّفي ، وهو قوله : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) أي : لن أبرح الأرض إلّا أن يحكم ، كقولهم : لالزمنّك أو تقضيني حقّي ، أي : إلا أن تقضيني.
قال أبو حيّان (٤) : «ومعناه ومعنى الغاية متقاربان».
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩٥.
(٢) قال سيبويه ١ / ٣٥ : «وقال بعضهم : ذهبت الشّام ، يشبهه بالمبهم إذا كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب ، وهذا شاذ ؛ لأنه ليس في «ذهب» دليل على الشّام ، وفيه دليل على المذهب والمكان ، ومثل : ذهبت الشّام دخلت البيت». ينظر التصريح ١ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، والهمع ١ / ٢٠٠.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٠٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٣٢.