قال بعضهم : يعني يوسف ، وبنيامين ، وأخاهم المقيم بمصر.
وإنّما حكم بهذا الحكم ؛ لأنّه لما طال حزنه وبلاؤه علم أنّ الله سيجعل له فرجا ومخرجا عن قريب ، فقال ذلك على سبيل حسن الظنّ برحمة الله تعالى.
وقيل : لعلّه كان قد أخبر من بعد محنته بيوسف أنه حي ، أو ظهرت له علامات على ذلك.
ثم قال (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) العليم بحقائق الأمر ، الحكيم فيها على الوجه المطابق للفضل ، والإحسان.
وقيل : العليم بحزني ، ووجدي على فقدهم ، الحكيم في تدبير خلقه.
قوله تعالى : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) الآية.
لما سمع يعقوب كلام بنيه ، ضاق قلبه ، وهاج حزنه على يوسف ، فأعرض عنهم : (وقال يا أسفى على يوسف) يا حزنا على يوسف.
والأسف : أشدّ الحزن ، وإنما عظم حزنه على مفارقة يوسف عند هذه الواقعة لوجوه :
الأول : أنّ الحزن القديم الكامل إذا وقع عليه حزن آخر كان أوجع ، قال متمّم بن نويرة : [الطويل]
٣١٣٣ ـ فقال أتبكي كلّ قبر رأيته |
|
لميت ثوى بين اللّوى والدّكادك |
فقلت له : إنّ الأسى يبعث الأسى |
|
فدعني فهذا كلّه قبر مالك (١) |
وذلك ؛ لأنه كلما رأى قبرا تجدّد عليه حزنه على أخيه مالك ، فلاموه ؛ فأجاب : إنّ الأسى يبعث الأسى.
الثاني : أنّ بنيامين ، ويوسف كانا من أمّ واحدة ، وكانت المشابهة بينهما في الصّفة متقاربة ، فكان يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتسلّى برؤيته عن رؤية يوسف عليهالسلام ، فلما وقع ما وقع ، زال ما يوجب السّلوة ، فعظم الألم.
الثالث : أنّ المصيبة بيوسف كانت أصل مصائبه الّتي عليها ترتب سائر المصائب ، فكان الأسف عليه أسفا على الكلّ.
الرابع : أنّ هذه المصائب كانت أسبابها جارية مجرى الأمور المعلومة ، فلم يبحث
__________________
(١) ينظر البيتان في : الكامل ١ / ١٥٢ ، حماسة أبي تمام ١ / ٣٣١ ، الرازي ١٨ / ١٩٧.
وروي : إن الشجا يبعث الشجا.
وروي : إن الأسى يبعث البكا.