وقيل : المراد من إتمام النّعمة : خلاصته من المحن ، ويكون وجه التّشبيه ب «إبراهيم وإسحاق ـ عليهما الصلاة والسلام ـ» وهو إنعام الله ـ تعالى ـ على إبراهيم بإنجائه من النّار ، وعلى ابنه إسحاق بتخليصه من الذّبح.
وقيل : إن إتمام النّعمة هو : وصل نعم الدّنيا بنعم الآخرة ؛ بأن جعلهم في الدّنيا أنبياء ملوكا ، ونقلهم عنها إلى الدّرجات العلى في الآخرة (١).
وقيل : إتمام النّعمة على إبراهيم : خلّته ، وعلى إسحاق بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه.
ومن فسر الاجتباء : بالدّرجات العالية ؛ فسّر إتمام النّعمة : بالنّبوّة ؛ لأنّ الكمال المطلق ، والتّمام المطلق في حقّ البشر ليس إلّا النّبوّة ، يدلّ عليه قوله تعالى : (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) أي : على أولاده ؛ لأن أولاده كلهم كانوا أنبياء ، وقوله : (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) والنّعمة التّامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحاق من سائر النّاس ليس إلا النبوة ؛ فوجب أن يكون المراد بإتمام النّعمة : هو النبوة ، وعلى هذا فيلزم الحكم بأنّ أولاده يعقوب كلهم كانوا أنبياء ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ).
فإن قيل : كيف يجوز أن يكونوا أنبياء ، وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حقّ يوسف ـ عليهالسلام ـ؟.
فالجواب : أنّ ذلك وقع قبل النبوّة ، والعصمة إنّما تثبت في وقت النّبوّة ، لا قبلها.
قوله (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) «يجوز أن يكونا بدلا من «أبويك» أو عطف بيان ، أو على إضمار أعني» ، ثم لما وعد ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذه الدرجات الثلاث ، ختم [الآية](٢) بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فقوله «عليم» إشارة إلى قوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ، وقوله : «حكيم» إشارة إلى أنه مقدّس عن العبث ، فلا يضع النبوة إلا في نفس قدسيّة.
فإن قيل : هذه البشارات التي ذكرها يعقوب هل كان قاطعا بصحّتها ، أم لا؟ فإن كان قاطعا بصحّتها ، فكيف حزن على يوسف؟ وكيف جاز أن يشتبه عليه أنّ الذئب أكله؟ وكيف خاف عليه من إخوته أن يهلكوه؟ وكيف قال لإخوته : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) مع علمه بأن الله ـ تعالى ـ سينجّيه ، ويبعثه رسولا؟.
وإن قلت : إنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان عالما بهذه الأحوال ، فكيف قطع بها؟ وكيف حكم بوقوعها جزما من غير تردّد؟.
فالجواب قال ابن الخطيب : «لا يبعد أن يكون قوله : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) مشروطا
__________________
(١) في أ : الجنة.
(٢) في أ : الكلام.