وقال آخرون : بل كان ضعف بصره من كثرة البكاء والحزن ، فلمّا ألقوا القميص على وجهه ، وبشّره بحياة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ عظم فرحه وانشرح صدره وزالت أحزانه فعند ذلك قوي بصره ، وعادت قوّته بعد الضّعف ، وقال : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من حياة يوسف من جهة رؤياه ، وهو أنّ الله يجمع بيننا ، وهو إشارة إلى قوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
روي أنّه قال للبشير : كيف حاله؟ قال : إنّه ملك مصر ، قال : ما أصنع بالملك ، على أي دين تركته؟ قال : على دين الإسلام ، قال : الآن تمّت النّعمة. ثمّ إن أولاد يعقوب أخذوا يعتذرون ، و (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) فوعدهم بأنه يستغفر لهم (١).
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : أخّر الاستغفار لهم إلى وقت السّحر ، وهو الوقت الذي يقول الله فيه : (هل من داع فأستجيب له) (٢).
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ رواية أخرى : أنّه أخّر الاستغفار إلى ليلة الجمعة ؛ لأنّها أوفق الأوقات لرجاء الإجابة (٣).
وقيل : أخّر الاستغفار ليعلم هل تابوا حقيقة أم لا؟ وهل أخلصوا في التّوبة أم لا؟.
وقيل : استغفر لهم في الحال ، ومعنى : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) أي أداوم على الاستغفار في المستقبل.
وروي : أنه كان يستغفر لهم في كلّ ليلة جمعة في نيّف وعشرين سنة (٤).
روي أنّ يوسف بعث مع البشير إلى يعقوب مائتي راحلة ، وجهازا كثيرا ، ليأتوا بيعقوب وأهله وولده ، فخرجوا وهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة ، فلمّا دنا من مصر كلّم يوسف الملك الذي فوقه ، فخرج يوسف ، والملك في أربعة آلاف من الجند ، وركب أهل مصر معهما فتلقوا يعقوب ، وهو يتوكأ على يهوذا ماشيا ؛ فنظر إلى الجبل ، وإلى الناس فقالوا : يا يهوذا : هذا فرعون مصر؟ قال : لا هذا ابنك يوسف ، فلمّا تدانيا ذهب يوسف يبدأ بالسّلام ، فقال جبريل ـ عليهالسلام ـ : لا حتّى يبدأ يعقوب بالسلام ، فقال يعقوب : السّلام عليك (٥).
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٦٧).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٠٠) عن ابن مسعود وإبراهيم التيمي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٦٨) عن ابن عباس وعزاه إلى ابن المنذر وابن مردويه.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٠٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٦٨) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ عن ابن عباس.
(٤) ينظر : الأثر السابق.
(٥) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٤٩) عن وهب.