وقيل : إنّه عائد إلى الدّخول كما تقدّم.
وقيل «إن» هنا بمعنى : «إذ» يريد : إن شاء الله ، كقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إذ كنتم مؤمنين.
ومعنى قوله : «آمنين» أي على أنفسكم ، وأموالكم ، وأهليكم لا تخافون أحدا ، وكان فيما سلف يخافون ملك مصر ، وقيل : آمنين من القحط والشّدة وقيل آمنين من أن يضرهم يوسف بالجرم السالف.
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ) من باب التّغليب ، يريد : أباه وأمه ـ أو خالته ـ (عَلَى الْعَرْشِ) قال أهل اللغة : العرش : السّرير الرّفيع ، قال تعالى : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) [النمل : ٢٣].
والرفع : هو النقل إلى العلو ، و «سجّدا» حال.
قال أبو البقاء (١) : «حال مقدرة ؛ لأنّ السجود يكون بعد الخرور».
فإن قيل : إن يعقوب ـ عليهالسلام ـ كان أبا يوسف فحقّه عظيم ، قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الإسراء : ٢٣] فقرن حق الوالدين بحق نفسه ، وأيضا : فإنّه كان شيخا كبيرا [والشاب](٢) يجب عليه تعظيم الشيخ وأيضا : كان من أكابر الأنبياء ، ويوسف ، وإن كان نبيّا إلا أن يعقوب كان أعلى حالا منه.
وأيضا : فإن جدّ يعقوب ، واجتهاده في تكثير الطّاعات أكثر من جد يوسف ، واجتماع هذه الجهات الكثيرة يوجب المبالغة في خدمة يعقوب ، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : روى عطاء عن ابن عبّاس : أنّ المراد بهذه الآية أنهم خرّوا سجدا لأجل وجدانه ، فيكون سجود شكر لله تعالى لأجل وجدانه يوسف (٣) ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً).
وذلك يشعر بأنهم صعدوا على السرير ، ثمّ سجدوا لله ، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصّعود على السّرير ؛ لأنّ ذلك أدخل في التّواضع.
فإن قيل : هذا التّأويل لا يطابق قوله : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [يوسف: ٤].
والمراد منه قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) قيل : معناه لأجلي ، لطلب مصلحتي ، وللسعي في إعلاء منصبي ، وإذا احتمل هذا سقط السؤال.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٩.
(٢) سقط من : ب.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٦٩).