كانَ عاقِبَةُ) : آخر أمر ، (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني : الأمم المكذّبين فيعتبروا ، (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) يقول ـ سبحانه وتعالى ـ : هذا فعلنا بأهل ولايتنا وطاعتنا أن ننجّيهم عند نزول العذاب ، وما في الدار الآخرة لهم خير ، فترك ذلك اكتفاء به لدلالة الكلام عليه ، والمعنى : ولدار الحال الآخرة.
وقيل : هو إضافة الشيء إلى نفسه ؛ كقوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة : ٩٥] ، وكقولهم : يوم الخميس ، وربيع الآخر ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتؤمنون ، قرأ نافع ، وابن عامر ، ورواية عن عاصم : «تعقلون» (١) بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) الآية.
ليس في الكلام شيء يكون ، «حتّى» غاية له ؛ فلذلك اختلفوا في تقدير شيء يصحّ جعله مغيّا ب «حتّى».
فقدره الزمخشري (٢) : وما أرسلنا من قبلك رجالا ، فتراخى نصرهم حتّى.
وقدره القرطبيّ (٣) : وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا ، ثم لم نعاقب أممهم بالعقاب حتّى إذا.
وقدره ابن الجوزي : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ، فدعوا قومهم فكذّبوهم ، فطال دعاؤهم ، وتكذيب قومهم حتّى إذا ، وأحسنها المقدم.
وذكر ابن عطيّة (٤) شيئا من معنى قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) فقال : ويتضمن قوله «أفلم يسيروا» إلى من قبلهم ، أنّ الرّسل الذين بعثهم الله ـ تعالى ـ من أهل القرى دعوهم ، فلم يؤمنوا حتى نزلت بهم المثلاث ، فصبروا في حيّز من يعتبر بعاقبته ؛ فلهذا المضمّن حسن أن تدخل «حتّى» في قوله : «حتّى إذا».
قال أبو حيان (٥) : ولم يتلخّص لنا من كلامه شيء يكون ما بعد «حتّى» غاية له ؛ لأنّه علّق الغاية بما ادّعى أنّه فهم ذلك من قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) ، قال شهاب الدّين (٦) : قوله : «دعوهم فلم يؤمنوا» هو المغيّا (٧).
قوله (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قرأ الكوفيّون : «كذبوا» بالتخفيف ، والباقون بالتثقيل.
فأما قراءة التّثقيل ، فاضطربت فيها الأقوال : فروي إنكارها عن عائشة ـ رضي الله
__________________
(١) قرأ بها أيضا أبو جعفر ويعقوب ينظر : الإتحاف ٢ / ١٥٦ وقرأ بها أيضا الحسن وعلقمة والأعرج ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٤٦.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥١٠.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٨٠.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٨٧.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٤٧.
(٦) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢١٨.
(٧) ينظر : السبعة ٣٥١ والحجة ٤ / ٤٤١ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٧ وحجة القراءات ٣٦٦ ، ٣٦٧ والإتحاف ٢ / ١٥٦ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٣٤٧ والدر المصون ٤ / ٢١٨.