وقيل : إشارة إلى ما قصّ الله عليه من أنباء الرسل ، وهذه الجملة لا محلّ لها إن قيل : إن «المر» كلام مستقل ، أو قصد به مجرّد التنبيه ، وفي محل رفع على الخبر إن قيل : «المر» مبتدأ ، ويجوز أن يكون «تلك» خبرا ل «المر» و (آياتُ الْكِتابِ) بدل ، أو بيان ، وتقدم تقرير هذا أوّل الكتاب.
قوله (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يجوز فيه أوجه :
أحدها : أن يكون مبتدأ ، و «الحقّ» خبره.
الثاني : أن يكون مبتدأ و «من ربّك» خبره ، وعلى هذا ف «الحقّ» خبر مبتدأ مضمر ، أي هو الحق.
الثالث : أن «الحقّ» خبر بعد خبر.
الرابع : أن يكون (مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) كلاهما خبر واحد ، قاله أبو البقاء ، والحوفيّ وفيه بعد ، إذا ليس هو مثل : حلو حامض.
الخامس : أن يكون «الّذي» صفة للكتاب.
قال أبو البقاء (١) : «وأدخلت الواو في لفظه ، كما أدخلت في «النّازلين والطيبين» يعني أنّ الواو تدخل على الوصف ، والزمخشري يجيزه ، ويجعل الواو في ذلك تأكيدا ، وسيأتي إن شاء الله ـ تعالى ـ في الحجر في قوله (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤]. وقوله : (في النازلين والطيبين) يشير إلى بيت الخرنق بنت هفّان في مدحها لقومها : [الكامل]
٣١٦٠ ـ لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيبين معاقد الأزر (٢) |
فعطف «الطّيبين» على «النّازلين» وهما صفتان لقوم معينين ، إلّا أن الفرق بين الآية ، والبيت واضح ، من حيث إنّ البيت فيه عطف صفة على مثلها ، والآية ليست كذلك.
وقال أبو حيّان (٣) : أن تكون الآية مما عطف [فيه](٤) وصف على مثله ، فقال : وأجاز الحوفي أيضا أن يكون «والّذي» في موضع رفع عطفا على «آيات» ، وأجاز هو ، وابن عطيّة: أن يكون «والّذي» في موضع خفض ، وعلى هذين الإعرابين ، يكون «الحقّ» خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الحق ، ويكون «والّذي» ممّا عطف فيه الوصف على الوصف ، وهما لشيء واحد ، كما تقول : جاءني الظريف العاقل ، وأنت تريد شخصا واحدا ، ومن ذلك قول الشاعر : [المتقارب]
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٥٣.
(٤) في أ : فيها.