إنّ الكفار كلهم مغفور لهم ؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ أخّر عقابهم إلى الآخرة.
وعن الثاني : أنّ الله تمدّح بهذا ، والتّمدّح إنما يحصل بالتفضيل ، أما أداء الواجب ، فلا تمدح فيه ، وعندكم يجب غفران الصغائر.
وعن الثالث : أن ظاهر الآية يقتضي حصول المغفرة ؛ فسقطت الأسئلة.
قوله : (عَلى ظُلْمِهِمْ) حال من «النّاس» والعامل فيها ، قال أبو البقاء «مغفرة» يعني : أنه هو العامل في صاحبها.
قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) الآية لما بين ـ تعالى ـ أنّهم طعنوا في النبوة بسبب طعنهم في الحشر والنشر ثم طعنوا في النبوّة أيضا بسبب طعنهم في صحّة ما ينذرهم به من نزول العذاب ، بين أيضا أنهم طعنوا في نبوّته ، وطلبوا منه المعجزة.
والسّبب في كونهم أنكروا كون القرآن معجزة : أنهم قالوا هذا كتاب مثل سائر الكتب ، وإتيان الإنسان بتصنيف معين لا يكون معجزا ، وإنّما يكون المعجز مثل معجزات موسى.
واعلم أنّ من الناس من زعم أنّه لم يظهر معجزة لمحمد صلىاللهعليهوسلم سوى القرآن ، قالوا : لأن هذا الكلام إنّما يصحّ إذا طعنوا في كون القرآن معجزا ولم يظهر معجزا غيره ؛ لأنه لو ظهر معجز غيره لم يحسن أن يقال : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وهذا يدلّ على أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان له معجزة سوى القرآن.
والجواب عنه من وجهين :
الأول : لعلّ المراد منه طلب معجزات سوى المعجزات التي شاهدوها من حنين الجزع ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وإشباع الخلق الكثير الطعام القليل ؛ فطلبوا منه معجزات قاهرة غير هذه ، مثل : فلق البحر لموسى ، وقلب العصا ثعبانا.
فإن قيل : فما السبب في أنّ الله منعهم ، وما أعطاهم؟.
فالجواب : أن الله ـ تعالى ـ لما أظهر المعجزة الواحدة ، فقد تمّ الغرض ، فيكون طلب الثاني تحكما ، وظهور القرآن معجزة ، فما كان مع ذلك حاجة إلى معجزات أخر.
وأيضا : فلعلّه ـ تعالى ـ علم أنّهم يصرّون على العناد بعد ظهور المعجزة الملتمسة وكونهم يصيرون حينئذ يستوجبون عذاب الاستئصال ، فلهذا السبب ما أعطاهم مطلوبهم ، وقد بين الله ـ تعالى ـ ذلك بقوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣] فبيّن أنّه لم يعطهم مطلوبهم ، لعلمه أنّهم لا ينتفعون به.
وأيضا : ففتح هذا الباب يفضي إلى ما لا نهاية له ، وهو أنّه كلّما أتى بمعجزة جاء آخر ، وطلب معجزة أخرى ، وذلك يوجب سقوط دعوة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهو باطل.