ذلك المكان أجزاء ، وسمّى كل جزء غيابة ؛ لأن للجبّ أقطارا ونواحي ، فيكون فيها غيابات ، والباقون : بالإفراد ؛ لأن المقصود : موضع واحد من الجبّ يغيب فيه يوسف ، وابن هرمز كنافع ، إلا أنّه شدّد الياء ، والأظهر في هذه القراءة : أن يكون سمّي باسم الفاعل الذي للمبالغة ، فهو وصف في الأصل ، وألحقه الفارسي بالاسم الجائي على فعّال ، نحو ما ذكره سيبويه من الفيّاد قال ابن جني (١) : «ووجدت من ذلك : الفخّار : للخزف».
وقال صاحب اللّوامح : «يجوز أن يكو على «فعّالات» كحمّامات ، ويجوز أن يكون على «فيعالات» ، كشيطانات ، جمع شيطانه ، وكلّ للمبالغة».
وقرأ الحسن (٢) : «في غيبة» بفتح الياء ، وفيه احتمالان :
أحدهما : أن يكون في الأصل مصدرا ؛ كالغلبة.
والثاني : أن يكون جمع غائب ، نحو : صانع وصنعة.
قال أبو حيّان (٣) : «وفي حرف أبيّ : «في غيبة» بسكون الياء ، وهي ظلمة الرّكيّة».
قال شهاب الدين (٤) : «والضبط أمر حادث ، فكيف يعرف ذلك من المصحف ، وتقدّم نحو ذلك ، والغيابة ، قال الهروي : شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه عن العيون».
وقال الكلبيّ : «الغيابة تكون في قعر الجبّ ؛ لأنّ أسفله واسع ، ورأسه ضيّق ، فلا يكاد النّاظر يرى ما في جوانبه».
وقال الزمخشري (٥) : «هي غورة ، وما غاب منه عن عين النّاظر ، وأظلم من أسفله».
قال المنخل : [الطويل]
٣٠٥٤ ـ فإن أنا يوما غيّبتني غيابتي |
|
فسيروا بسيري في العشيرة والأهل (٦) |
أراد : غيابة حفرته التي يدفن فيها ، والجبّ : البئر الذي لم تطو ، وسمّي بذلك : إما لكونه محفورا في جبوب الأرض ، أي : ما غلظ منها ؛ وإما لأنه قطع في الأرض والجبّ : القطع ، ومنه : الجبّ في الذّكر ؛ قال الأعشى : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : المحتسب ١ / ٣٣٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٥ والدر المصون ٤ / ١٥٨.
(٣) ينظر : السابق.
(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٨.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٧.
(٦) ينظر البيت في روح المعاني ١٢ / ١٩٢ ومجاز القرآن ١ / ٣٠٢ ومعجم الشعراء ٣٨٨٠ والبحر المحيط ٥ / ٢٨٥ الكشاف ٢ / ٤٤٧ ومعجم المرزباني (٣٨٨) والمؤتلف (٢٧١) والقرطبي ٥ / ١٩٤ والمحرر ٩ / ٢٥٤ والدر المصون ٤ / ١٥٨.