فصل
اعلم : أنّه لما قوي الحسد ، وبلغ النّهاية ، قالوا : لا بدّ من تبعيد يوسف من أبيه ، وذلك لا يحصل إلا بأحد طريقين : القتل ، أو التّغريب ، ثم ذكروا العلّة فيه ، وهي قوله : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أي : أنّ يوسف شغله عنّا ، وصرف وجهه إليه ، فإذا فقده ، أقبل علينا بالميل والمحبّة ، (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد قتل يوسف ، (قَوْماً صالِحِينَ) : أي : نتوب بعد قتله.
وقيل : يصلح شأنكم ، وتتفرغوا لإصلاح شأن أمّهاتكم ، واختلفوا في قائل هذا القول.
فقيل : شاوروا أجنبيّا ؛ فأشار عليهم بقتله ، ولم يقل ذلك أحد من إخوته.
وقيل : القائل بعض إخوته ، واختلفوا فيه.
فقال وهب : شمعون ، وقال كعب : دان ، وقال مقاتل : روبيل.
فإن قيل : كيف يليق هذا بهم ، وهم أنبياء؟.
فأجاب بعضهم : بأنّهم كانوا في هذا الوقت مراهقين لم يبلغوا ، وهذا ضعيف ؛ فإنه يبعد في مثل يعقوب أن يبعث جماعة من الصّبيان من غير أن يكون معهم قائم عاقل يمنعهم من القبائح.
وأيضا : فإنّهم قالوا : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) وهذا يدلّ على أنّهم قبل النبوّة لا يكونوا صالحين ، وذلك ينافي كونهم من الصّبيان ، وأيضا : قولهم : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) [يوسف : ٩٧] والصغير لا ذنب له.
فأجاب بعضهم : بأنّ هذا من باب الصّغائر ، وهذا أيضا ضعيف ؛ لأن إيذاء الأب الذي هو نبيّ معصوم ، والكيد معه ، والسعي في إهلاك الأخ الصّغير ، فكل واحد من ذلك من أمّهات الكبائر ، بل الجواب الصحيح : أنّهم ما كانوا أنبياء ، وإن كانوا أنبياء ، إلا أن هذه الواقعة أقدموا عليها قبل النبوة.
ثم إنّ قائلا منهم قال : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ).
قيل : إنه روبيل ، وكان ابن خالة يوسف ، وكان أحسنهم رأيا فيه ؛ فمنعهم من قتله.
وقيل : يهوذا ، وكان أقدمهم في الرّأي (١) والفضل ، والسّنّ ، وهو الصحيح.
قوله «في غيابة» قرأ نافع (٢) : «غيابات» بالجمع في الحرفين من هذه السّورة ، جعل
__________________
(١) في أ : أحسنهم رؤيا.
(٢) ينظر : السبعة ٣٤٥ والحجة للفارسي ٤ / ٣٩٩ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٠٠ ، ٣٠١ وحجة القراءات ٣٥٥ وقرأ بها أيضا أبو جعفر ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤١ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٢٢ والبحر المحيط ٥ / ٢٨٥ والدر المصون ٤ / ١٥٧.