قال ابن الخطيب (١) : «فعلى هذا القول : الرّعد هو الملك الموكل بالسحاب ، وذلك الصّوت يسمّى بالرّعد ، ويؤكد هذا ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ الله ينشىء السّحاب ، فتنطق أحسن النّطق وتضحك أحسن الضّحك فنطقه الرّعد وضحكه برق».
وهذا القول غير مستبعد ؛ لأن ـ عند أهل السنة ـ البنية ليست شرطا لحصول الحياة ، فلا يبعد من الله ـ تعالى ـ أن يخلق الحياة ، والعلم ، والقدرة ، والنّطق في أجزاء السّحاب ، فيكون هذا الصوت المسموع فعلا له ، وكيف يستبعد ذلك ، ونحن نرى أنّ السمندل يتولد في النّار ، والضفادع تتولّد في الماء ، والدّودة العظيمة ربما تولدت في الثلوج القديمة ، وأيضا : فإذا لم يبعد تسبيح الجبال في زمن داود ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ولا تسبيح الحصى في زمن محمدصلىاللهعليهوسلم فكيف يبعد تسبيح السّحاب؟.
وعلى هذا القول ففي هذا المسموع قولان :
أحدهما : أنه ليس بملك ؛ لأنّه عطف عليه الملائكة فقال : (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) والمعطوف عليه مغاير للمعطوف.
والثاني : لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة ، وإنّما أفرده بالذّكر تشريفا كقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) [الأحزاب : ٧].
وقيل : الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص ، ومع ذلك فإنّه يسبح ، قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤].
وقيل : المراد من كون الرّعد مسبحا ، أن من يسمع الرّعد فإنّه يسبح الله ـ تعالى ـ فلهذا المعنى أضيف التسبيح إليه.
قوله : (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) ، أي : والملائكة يسبحون من خيفة الله ، وخشيته ، وقيل : أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله ـ تعالى ـ له أعوانا ، فهم خائفون خاضعون طائعون.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «خائفون من الله لا كخوف بني آدم ، فإنّ أحدهم لا يعرف من على يمينه ، ومن على يساره لا يشغله عن عبادة الله طعام ، ولا شراب ولا شيء» (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : «والمحققون من الحكماء يقولون : إنّ هذه الآثار العلوية إنّما هي تتمّ بقوى روحانية فلكيّة ، فللسّحاب روح معيّن في الأرواح الفلكيّة يدبره ، وكذا الرّياح ، وسائر الآثار العلوية ، وهذا عين ما قلنا : إنّ الرعد اسم لملك من الملائكة يسبّح الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٢١.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١٩ / ٢١).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٢٢.