ضرب أمثالا كثيرة في هذين وفي غيرهما ؛ ولأنّ فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف قول الزمخشري ، فكما ذكر ما لغير المستجيبين من العقاب ذكر ما للمستجيبين من الثواب ؛ ولأن تقديره : الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة ومقابلها ليس نفي الاستجابة مطلقا ، إنما مقابلها نفي الاستجابة الحسنى ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ قد نفى الاستجابة مطلقا ، ولأنه على قوله يكون قوله : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) كلاما مفلتا ممّا قبله ، أو كالمفلت ، إذ يصير المعنى : كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين ، والكافرين لو أنّ لهم ما في الأرض ، فلو كان التركيب بحذف رابط «لو» بما قبلها زال التفلت ، وأيضا : فتوهم الاشتراك في الضمير ، وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما».
قال شهاب الدين (١) : «قوله : «لأن فيه ضرب الأمثال غير مقيّد» ليس في قول الزمخشري ما يقتضي التّقييد ، وقوله : لأن فيه ذكر ثواب المستجيبين إلى آخر ما ذكره الزمخشري أيضا. على أن يؤخذ من فحواه ثوابهم ، وقوله : «والله تعالى نفى الاستجابة مطلقا» ممنوع ، بل نفى تلك الاستجابة الأولى لا يقال : فثبتت لنا استجابة غير حسنى ؛ لأنّ هذه الصفة لا مفهوم لها ، إذ الواقع أنّ الاستجابة لله لا تكون إلا حسنى.
وقوله : «يصير مفلتا» كيف يكون ـ مع قول الزمخشريّ مبتدأ ـ في ذكر ما أعدّ لهم ، وقوله «وأيضا فيتوهّم الاشتراك» كيف يتوهّم هذا بوجه من الوجوه؟ وكيف يقول ذلك مع قوله : وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما؟ فإذا علم كيف يتوهّم؟».
والوجه الثاني : أن يكون «للّذين» خبرا مقدما ، والمبتدأ «الحسنى» ، و (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا) مبتدأ ، وخبره الجملة الامتناعيّة بعده.
وإنّما خصّ بضرب الأمثال الذين استجابوا لانتفاعهم دون غيرهم ومفعول «افتدوا» محذوف ، تقديره : لافتدوا به أنفسهم ، أي : جعلوه فداء أنفسهم من العذاب ، والهاء في «به» عائدة إلى : «ما» في قوله : «ما في الأرض».
ثم قال : (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ).
[قال الزجاج : وذلك لأن كفرهم أحبط أعمالهم.
وقال إبراهيم النخعي ـ رضي الله عنه ـ : سوء الحساب](٢) أن يحاسب الرجل بذنبه كله ، ولا يغفر له منه شيء «ومأواهم» في الآخرة : (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) والفراش ، أي : بئس ما مهد لهم.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٣٨.
(٢) سقط من : ب.