اللازم ، والمفعول محذوف ، أي : غيرهم أو أنفسهم ، ومنه قوله : [الطويل]
٣١٩١ ـ أناس أصدّوا النّاس بالسّيف عنهم |
|
........... (١) |
(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) تقدم مثله [آل عمران : ٩٩].
قوله تعالى : (يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) فيه إضمار تقديره : يستحبّون الحياة الدنيا ، ويؤثرونها على الآخرة ؛ فجمع ـ تعالى ـ بين هذين الوصفين ليبين بذلك أن الاستحباب للدّنيا وحده لا يكون مذموما إلّا أن يضاف إليه إيثارها على الآخرة ، [وأما](٢) من أحبّها ليصل بها إلى منافع النّفس بثواب الآخرة ؛ فذلك لا يكون مذموما.
والنوع الثاني من أوصاف الكفار : قوله ـ عزوجل ـ (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : يمنعوا النّاس من قبول دين الله.
والنوع الثالث من تلك الصفات قوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً). واعلم أنّ الإضلال على مرتبتين :
الأولى : أن يسعى في صدّ الغير.
والثانية : أن يسعى في إلقاء الشّكوك ، والشبهات في المذهب الحق ، ويحاول تقبيح الحق بكل ما يقدر عليه من الحيل ، وهذا هو النهاية في الضلال ، والإضلال ، وإليه أشار بقوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً).
قال الزمخشريّ (٣) : «الأصل في الكلام أن يقال : ويبغون لها عوجا ؛ فحذف الجار وأوصل الفعل».
وقيل : الهاء راجعة إلى الدّنيا معناه : يطلبون الدّنيا على طريق الميل عن الحق ، أي : بجهة الحرام.
ولما ذكر الله ـ تعالى ـ هذه المراتب قال في وصفهم : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) وإنّما وصف الله ـ تعالى ـ هذا الضلال بالبعد لوجوه :
الأول : أنّ أقصى مراتب الضلال هو البعد عن الطريق الحقّ ، فإنّ شرط الضدين أن يكونا في غاية التّباعد كالسّواد ، والبياض.
الثاني : أن المراد بعد ردّهم عن الضّلال إلى الهدى.
الثالث : أن المراد بالضّلال : الهلاك ، والتقدير : أولئك في هلاك يطول عليهم فلا ينقطع ، وأراد بالبعد : امتداده وزوال انقطاعه.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى
__________________
(١) تقدم.
(٢) في ب : ولذا.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٨.