النُّورِ) الآية لما بين أنّه إنّما أرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور ، وذكر كمال نعمة الله عليه وعلى قومه بذلك الإرسال أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ إلى أقوامهم ليكون ذلك تصبيرا للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ على أذى قومه فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) قال الأصم : آيات موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهي العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وفلق البحر ، وانفجار العيون من الحجر ، وإظلال الجبل ، وإنزال المن والسلوى.
وقال الجبائي آياته : دلائله وكتبه المنزلة عليه ، فقال في صفة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) وقال في حق موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [إبراهيم : ٥] والمقصود من بعثة سائر الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ واحد وهو أن يسعوا في إخراج الخلق من الضّلالات إلى نور الهدايات.
قوله «أن أخرج» يجوز أن تكون «أن» مصدرية ، أي : بأن أخرج والباء في «بآياتنا» للحال ، وهذه للتعدية ، ويجوز أن تكون مفسرة للرسالة بمعنى أي ، ويكون المعنى : أي : أخرج قومك من الظلمات ، أي : قلنا له : أخرج قومك كقوله (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦]. وقيل : بل هي زائدة ، وهو غلط.
قوله : «وذكّرهم» يجوز أن يكون منسوقا على : «أخرج» فيكون من التفسير ، ويجوز أن لا يكون منسوقا ؛ فيكون مستأنفا.
و «أيّام» عبارة عن نعمه تعالى ؛ كقوله : [الوافر]
٣١٩٣ ـ وأيّام لنا غرّ طوال |
|
عصينا الملك فيها أن ندينا (١) |
أو نقمه ؛ كقوله : [الطويل]
٣١٩٤ ـ وأيّامنا مشهورة في عدوّنا |
|
........... (٢) |
ووجهه : أن العرب تتجوز فتسند الحدث إلى الزمان ، مجازا أو تضيفه إليها كقولهم : نهار صائم ، وليل قائم ، و (مَكْرُ اللَّيْلِ) [سبأ : ٣٣].
قال الواحديّ : «أيّام جمع يوم ، واليوم هو مقدار المدّة من طلوع الشّمس إلى غروبها ، وكان في الأصل : أيوام ، فاجتمعت الياء ، والواو ، وسبقت إحداهما بالسّكون فقلبت الواو ياء ، وأدغمت إحداهما في الأخرى فقلبت ياء».
__________________
(١) تقدم.
(٢) البيت لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي ، وهو صدر بيت عجزه : ولها غرر معلومة وحجول. ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٩٥ ، حاشية الشهاب ٥ / ٢٥٢ ، روح المعاني ١٣ / ١٨٨ ، الدر المصون ٤ / ٢٥٢.