قال تعالى : (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى). قيل : المعنى : إن آمنتم ، أخر الله موتكم إلى أجل مسمى ، وإلا عاجلكم بعذاب الاستئصال.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : يمنعكم في الدّنيا باللذات إلى الموت (١).
فإن قيل : أليس قال : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤]. فكيف قال هنا : (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى)؟.
قلنا : تقدّم الكلام في هذه المسألة في قوله : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) في الأنعام(٢).
ولما ذكر الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ هذا الكلام للكفار قالوا : «إن أنتم إلا بشر مثلنا» وهذا الكلام يشتمل على ثلاثة أنواع من الشبه :
الأولى : أن الأشخاص الإنسانية متساوية في تمام الماهية فيمتنع أن يبلغ التفاوت بين تلك الأشخاص إلى هذا الحد وهو أن يكون الواحد منهم رسولا من الله تعالى مطلعا على الغيب ، مخالطا لزمرة الملائكة ، والباقون غافلون عن هذه الأحوال أيضا كانوا يقولون : إن كنت قد فارقتنا في هذه الأحوال العالية الإلهية الشريفة وجب أيضا أن تفارقنا في الأحوال الخسيسة ، وهي الحاجة إلى الأكل ، والشرب ، والحديث والوقاع ، وهذه الشبهة هي المراد من قولهم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) : أي في الصورة ولستم ملائكة ، وإنّما تريدون بقولكم أن تصدّونا عمّا كان يعبد آباؤنا.
وهذه الشبهة الثانية ، وهي التمسك بالتقليد ، وهي أنهم وجدوا آباءهم وعلماءهم مطبقين على عبادة الأوثان.
قالوا : ويبعد أن أولئك القدماء على كثرتهم وقوة خاطرهم لم يعرفوا بطلان هذا الدين.
الشبهة الثالثة : قالوا : المعجز لا يدلّ على الصدق ؛ لأن الذي جاء به أولئك الرسل طعنوا فيه وزعموا أنّها أمور معتادة ليست من باب المعجزات الخارجة عن قوّة البشر ؛ فلذلك قالوأ : (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : بحجة بينة على صحّة دعواكم.
قوله «تريدون» يجوز أن يكون صفة ثانية ل «بشر» وحمل على معناه ، لأنه بمنزلة القوم والرهط ، كقوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [التغابن : ٦] وأن يكون مستأنفا.
وقوله : (أَنْ تَصُدُّونا) العامة على تخفيف النون ، وقرأ طلحة بتشديدها (٣) كما شدد : «تدعونّا» وفيها تخريجان :
__________________
(١) تقدم.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١٩ / ٧٥).
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٩٩ ، الدر المصون ٤ / ٢٥٤.