فالجواب من وجوه :
الأول : المراد به التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب إن كان غافلا ، كقوله تعالى : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).
والثاني : المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الانتقام لأجل غفلته عن ذلك الظالم ، ولما كان امتناع هذه الغفلة معلوما لكل أحد لا جرم كان عدم الانتقام محالا.
الثالث : أنّ المراد : ولا تحسبنه يعاملهم الله معاملة الغافل عمّا يعملون ، ولكن معاملة الرّقيب عليهم المحاسب على النقير ، والقطمير.
الرابع : أنّ هذا الخطاب ، وإن كان خطابا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم في الظاهر إلا أنه خطاب مع الأمّة.
قال سفيان بن عيينة ـ رضي الله عنه ـ : هذا تسلية للمظلوم ، وتهديد للظّالم (١).
قوله : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ) أي : لأجل يوم ، فاللام للعلّة.
وقيل : بمعنى «إلى» أي : للغاية.
وقرأ العامة : «يؤخّرهم» بالياء ، لتقدم اسم الله ـ تعالى ـ. وقرأ (٢) الحسن والسلمي ، والأعرج ، [وخلائق](٣) ـ رضي الله عنهم ـ : «نؤخّرهم» بنون العظمة.
ويروى عن أبي عمرو «نؤخّرهم» بنون العظمة.
و «تشخص» صفة ل «يوم». ومعنى شخوص البصر حدّة النّظر ، وعدم استقراره في مكانه ، ويقال : شخص سمعه ، وبصره ، وأشخصهما صاحبهما ، وشخص بصره ، أي : لم يطرف جفنه ، وشخوص البصر يدلّ على الحيرة والدهشة ، ويقال : شخص من بلده أي : بعد ، والشخص : سواد الإنسان المرئيّ من بعيد.
قوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) حالان من المضاف المحذوف إذ التقدير : أصحاب الأبصار ، إذ يقال : شخص زيد بصره ، أو تكون الأبصار دلّت على أربابها فجاءت الحال من المدلول عليه ، قالهما أبو البقاء.
وقيل : «مهطعين» منصوب بفعل مقدر ، أي : تبصرهم مهطعين ، ويجوز في «مقنعي» أن يكون حالا من الضمير في : «مهطعين» فيكون حالا ، وإضافة : «مقنعي» غير حقيقية ؛ فلذلك وقعت حالا.
والإهطاع : قيل : الإسراع في المشي ؛ قال : [البسيط]
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١١١).
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٤٤ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٤ والدر المصون ٤ / ٢٧٦.
(٣) في ب : وخلف.