والقائلون بالقول الأول هم الذين يقولون عند قيام القيامة : لا يعدم الله الذوات والأجسام ، وإنّما يعدم صفاتها.
وقيل : المراد من تبديل الأرض والسموات : هو أنّ الله ـ تعالى ـ يجعل الأرض جهنم ، ويجعل السموات الجنة بدليل قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) [المطففين : ٧] وقوله ـ عزوجل ـ (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [المطففين : ١٨].
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] أين تكون النّاس يومئذ؟ فقالصلىاللهعليهوسلم : «على الصّراط» (١).
وروى ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أن حبرا من اليهود سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أين تكون النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال : «هم في الظّلمة دون الجسر» (٢).
قوله «والسّموات» تقديره : وتبدل السموات غير السموات.
وقرىء (٣) : «نبدّل» بالنون : «الأرض» نصبا «والسّموات» نسق عليه.
قوله «وبرزوا» فيه وجهان :
أحدهما : أنها جملة مستأنفة ، أي : يبرزون ، كذا قدّره أبو البقاء ، يعني أنه ماض يراد به الاستقبال ، والأحسن أنه مثل (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ) [الأعراف : ٥٠] (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٤٤] (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] لتحقّق ذلك.
والثاني : أنها حال من «الأرض» ، و «قد» معها مرادة ، قاله أبو البقاء ويكون الضمير في : «برزوا» للخلق دلّ عليه السّياق ، والرّابط بين الحال ، وصاحبها الواو.
وقرأ زيد (٤) بن علي «وبرّزوا» بضم الباء ، وكسر الرّاء مشددة على التّكثير في الفعل ومفعوله ، وتقدّم الكلام في معنى البروز عند قوله تعالى (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١] ، وإنما ذكر «الواحد القهّار» هنا ؛ لأنّ الملك إذا كان لمالك واحد غالب لا يغلب ،
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٥٠) كتاب صفات المنافقين : باب في البعث والنشور حديث (٢٩ / ٢٧٩١).
والترمذي (٥ / ٢٧٦) كتاب التفسير حديث (٣١٢١) وابن ماجه (٤٢٧٩) واستدركه الحاكم (٢ / ٣٥٢) من طريق داود ابن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة وهو في مسلم بهذا الإسناد.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٦٧) وزاد نسبته إلى أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه.
(٢) أخرجه مسلم (١ / ٢٥٢) كتاب الحيض : باب بيان صفة مني الرجل والمرأة حديث (٣٤٠ / ٣١٥) والطبري (٧ / ٤٨٣) والحاكم (٣ / ٤٨٢) من حديث ثوبان.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٦٧ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٨ والدر المصون ٤ / ٢٨٢.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٢٨ والدر المصون ٤ / ٢٨٢.