قال الواحدي (١) : «المراد : أنفس الكفّار ؛ لأن ما سبق ذكره لا يليق أن يكون جزاء لأهل الإيمان ، ويمكن إجراء اللفظ على عمومه ، وأنه ـ تعالى ـ يجزي كلّ نفس ما كسبت من عملها اللائق بها ، فيجزي الكفار بهذا العقاب المذكور ، ويجزي المؤمن المطيع الثّواب وأيضا ، فالله ـ تعالى ـ لما عاقب المجرمين بجرمهم ، فلأن يثيب المطيعين أولى».
ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي : لا يظلمهم ، ولا يزيد على عقابهم الذي يستحقونه.
قوله تعالى : (هذا بَلاغٌ) إشارة إلى ما تقدّم من قوله : «ولا تحسبنّ» إلى هنا ، أو إلى كلّ القرآن ، نزل منزلة الحاضر بلاغ ، أي : كافية في الموعظة.
قوله تعالى : (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) فيه أوجه :
أحدها : أنه متعلق بمحذوف ، أي : ولينذروا أنزلنا عليك.
الثاني : [أنه معطوف على محذوف ، وذلك المحذوف متعلق ب «بلاغ» ، تقديره : لينصحوا ولينذروا](٢).
الثالث : أن الواو مزيدة : «ولينذروا» متعلق ب «بلاغ» ، وهو رأي الأخفش نقله الماورديّ.
الرابع : أنه محمول على المعنى ، أي : ليبلغوا ، ولينذروا.
الخامس : أن اللام لام الأمر ، وهو حسن ، لو لا قوله : «وليذّكّر» فإنه منصوب فقط.
قال شهاب الدين (٣) : قال بعضهم : لا محذور في ذلك ، فإن قوله : «ليذّكر» ليس معطوفا على ما تقدمه ، بل متعلق بفعل مقدر ، أي : وليذكر أنزلناه وأوحيناه.
السادس : أنه خبر لمبتدأ مضمر ، التقدير : هذا بلاغ ، وهو لينذروا قاله ابن عطيّة.
السابع : أنه عطف مفردا على مفرد ، أي : هذا بلاغ وإنذار ، قاله المبرد وهو تفسير معنى لا إعراب.
الثامن : أنه معطوف على قوله : «يخرج النّاس» في أول السورة ، وهذا غريب جدّا.
التاسع : قال أبو البقاء (٤) : «المعنى : هذا بلاغ للنّاس ، والإنذار متعلق بالبلاغ أو بمحذوف إذا جعلت النّاس صفة.
ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، وتقديره : ولينذروا به أنزل ، أو تلي».
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٨٤.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ٧١.