فلمّا منعوا من تلك المقاعد ، ذكروا ذلك لإبليس ، فقال : حدث في الأرض حدث ، قال : فبعثهم ، فوجد رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يتلو القرآن ، فقالوا : والله حدث.
فإن قيل : ما معنى : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) والشيطان لا قدرة له على هدم السماء ، فأيّ حاجة إلى حفظ السماء منه؟ قلنا : لما منعه من القرب منها ، فقد حفظ السماء من مقاربة الشيطان ، فحفظ الله السماء منهم ، كما قد يحفظ منازلنا ممّن يخشى منه الفساد.
والرّمي في اللغة : الرمي بالحجارة ، والرّجم أيضا : السبّ والشتم ؛ لأنه رمي بالقول القبيح ، والرجم : القول بالظنّ ؛ ومنه قوله تعالى : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) [الكهف : ٢٢] ؛ لأنه يرميه بذلك الظنّ ، والرجم أيضا : اللّعن ، والطّرد.
قوله (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ) فيه خمسة أوجه :
أحدها : في محل نصب على الاستثناء المتصل ، والمعنى : فإنها لم تحفظ منه ؛ قاله غير واحد.
الثاني : منقطع ، ومحله النصب أيضا ، أي : لكن من استرق السمع. قال الزجاج ـ رحمهالله ـ : موضع : «من» نصب على التقدير ، قال : «وجاز أن يكون في موضع خفض ، والتقدير: إلا ممّن».
الثالث : أنه بدل من (كُلِّ شَيْطانٍ) فيكون محله الجرّ ، قاله الحوفي ، وأبو البقاء ، وتقدم عن الزجاج ، وفيه نظر ؛ لأن الكلام موجب.
الرابع : أنه نعت ل (كُلِّ شَيْطانٍ) فيكون محله الجر ، على خلاف في هذه المسألة.
الخامس : أنّه في محلّ رفع بالابتداء ، وخبره الجملة من قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُ) ، وإنما دخلت الفاء ؛ لأنّ «من» إمّا شرطية ، وإمّا موصولة ، مشبهة بالشرطية. قاله أبو البقاء وحينئذ يكون من باب الاستثناء المنقطع.
والشّهاب : الشّعلة من النّار ، وسمّي بها الكوكب ؛ لشدّة ضوئه ، وبريقه ، وكذلك سمّي السّنان شهابا ، ويجمع على : «شهب» في الكثرة ، و «أشهب» في القلّة ، والشّهبة : بياض مختلط بسواد ؛ تشبيها بالشّهاب ؛ لاختلاطه بالدّخان ، ومنه : كتيبة شهباء لسواد القوم ، وبياض الحديد ، ومن ثمّ غلط الناس في إطلاقهم الشّهبة على البياض الخالص.
وقال القرطبيّ (١) : «أتبعه» أي : أدركه ولحقه ، شهاب مبين ، أي : كوكب مضيء ، وكذلك : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) [النمل : ٧] أي : شعلة نار في رأس عود ، قاله ابن عزيز ؛ وقال ذو الرّمّة : [البسيط]
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٩.