من غير أن يعذب ، فإذا جاء ذلك اليوم ، عذّب عذابا [ينسى](١) اللعن معه ، فيصير اللّعن حينئذ كالزائل ؛ بسبب أنّ شدّة العذاب تذهل عنه.
قوله : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وهذا متعلق بما تقدم ، والتقدير : إذا جعلتني رجيما إلى يوم القيامة ؛ فأنظرني ، أراد ألّا يموت ، والمراد من قوله : (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، يوم البعث ، والنّشور ، وهو يوم القيامة ؛ فقال تعالى : (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) قيل : وقت النفخة الأولى حين يموت الخلائق ؛ لأن من المعلوم أن تموت الخلائق فيه.
وقيل : سمّي معلوما ؛ لأنه لا يعلمه إلا الله تعالى ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان : ٣٤].
وقيل : يوم الوقت المعلوم : يوم القيامة.
فإن قيل : لمّا أجابه الله إلى مطلوبه لزم ألّا يموت إلى وقت قيام القيامة ، [و] وقت قيام القيامة لا موت ، فلزم ألا يموت بالكلية فالجواب : يحمل قوله (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) : إلى ما يكون قريبا منه ، و [الوقت](٢) الذي يموت فيه كلّ المكلفين قريب من يوم البعث.
وقيل : (يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) لا يعلمه إلا الله.
قيل : لم تكن إجابة الله ـ تعالى ـ له في الإمهال ، إكراما له ، بل كان زيادة في بلائه وشقائه.
قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم ، و «ما» مصدرية ، وجواب القسم (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) والمعنى : أقسم بإغوائك إيايّ ، لأزينن ؛ كقوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) إلّا أنه ـ في هذا الموضع ـ أقسم بعزة الله ـ تعالى ـ وهي من صفات الذات ، وفي قوله : (بِما أَغْوَيْتَنِي) ، أقسم بإغواء الله ، وهو من صفات الأفعال ، والفقهاء قالوا : القسم بصفات الذّات صحيح ، واختلفوا في القسم بصفات الأفعال.
ونقل الواحديّ ـ هنا ـ عن بعضهم : أنّ الباء ـ هاهنا ـ سببية ، أي : بسبب كوني غاويا ، لأزيننّ ؛ كقول القائل : «أقسم فلان بمعصيته ، ليدخلنّ النّار ، وبطاعته ليدخلنّ الجنّة».
ومعنى : (أَغْوَيْتَنِي) : أضللتني ، وقيل : خيّبتني من رحمتك ، (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) حبّ الدنيا ، ومعاصيك.
والضمير في : «لهم» لذرية آدم ـ عليهالسلام ـ وإن لم يجر لهم ذكر ؛ للعلم بهم.
و «لأغوينّهم» : لأضلّنّهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين قرأ (٣) ابن كثير ،
__________________
(١) في ب : يقتضي.
(٢) سقط في : ب.
(٣) ينظر : القرطبي ٢٠ / ٢٠.