أحدهما : أنه استثناء متصل على أنه مستثنى من الضمير المستكن في : «مجرمين» بمعنى أجرموا كلهم إلّا آل لوط ؛ فإنّهم لم يجرموا ، ويكون قولهم «إنّا لمنجوهم» استئناف إخبار بنجاتهم ، لكونهم لم يجرموا (١) ولكون الإرسال حينئذ شاملا للمجرمين ولآل لوط لإهلاك أولئك وإنجاء هؤلاء.
والثاني : أنه استثناء منقطع ؛ لأن آل لوط لم يندرجوا في المجرمين ألبتّة.
قال أبو حيان : وإذا كان استثناء منقطعا ، فهو مما يجب فيه النصب ؛ لأنه من الاستثناء الذي لا يمكن توجه العامل إلى المستثنى منه ؛ لأنهم لم يرسلوا إليهم ، إنما أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصّة ، ويكون قوله : «إنّا لمنجّوهم» جرى مجرى خبر لكن في اتّصاله ب : «آل لوط» ؛ لأن المعنى : لكنّ آل لوط منجوهم ، وقد زعم بعض النحويين في الاستثناء المنقطع المقدّر بلكن ، إذا لم يكن بعده ما يصحّ أن يكون خبرا : أنّ الخبر محذوف ، وأنه في موضع رفع لجريان : «إلّا» ، وتقديرها ب «لكن».
قال شهاب الدّين (٢) : «وفيه نظر ؛ لأن قوله لا يتوجه إليه العامل أي : لا يمكن ، نحو : ضحك القوم إلا حمارهم ، وصهلت الخيل إلا الإبل. وأمّا هذا ، فيمكن الإرسال إليهم من غير منع ، وأمّا قوله : لأنهم لم يرسلوا إليهم فصحيح ؛ لأنّ حكم الاستثناء كلّه هكذا ، وهو أن يكون خارجا عمّا حكم به على الأوّل ، لكنّه لو سلط عليه لصحّ ذلك بخلاف ما تقدّم من أمثلتهم».
قوله : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) قرأ الأخوان (٣) : «لمنجوهم» مخففا ؛ وكذلك خففا أيضا فعل هذه الصيغة في قوله تعالى في العنكبوت (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) [العنكبوت : ٣٢] ؛ وكذلك خففا أيضا قوله فيها : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) [العنكبوت : ٣٣] فهما جاريتان على سنن واحد.
وقد وافقهما ابن كثير ، وأبو بكر على تخفيف : «منجوك» كأنهما جمعا بين اللغتين ، وباقي السبعة بتشديد الكل. والتخفيف والتشديد لغتان مشهورتان من : نجّى وأنجى ، وأنزل ، ونزّل ، وقد نطق بفعلهما ، قال : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ) [العنكبوت : ٦٥] وفي موضع (أَنْجاهُمْ) [يونس : ٢٣].
قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناء من «آل لوط». قال أبو البقاء ـ رحمهالله ـ : «والاستثناء إذا جاء بعد الاستثناء كان الاستثناء الثاني مضافا إلى المبتدأ كقولك : «له عندي عشرة إلا
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٠١.
(٣) ينظر : الحجة ٣٨٤ ، الاتحاف ٢ / ١٧٨ ، والحجة للفارسي ٥ / ٤٨ ، والقرطبي ١٠ / ٢٥ ، والتيسير ١٣٦ ، والبحر ٥ / ٤٤٨.